responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1733
ولا نملك أن نمضي أكثر من هذا- في ظلال القرآن- مع هذه القصة الموحية ومع التعبير القرآني الفريد فيها. فحسبنا هنا ما وفق الله إليه فيها [1] .
وفي ظل قصة التوبة على الذين ترددوا والذين تخلفوا وفي ظل عنصر الصدق البادي في قصة الثلاثة الذين خلفوا يجيء الهتاف للذين آمنوا جميعاً أن يتقوا الله ويكونوا مع الصادقين في إيمانهم من أهل السابقة ويجيء التنديد بتخلف أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب، مع الوعد بالجزاء السخي للمجاهدين:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ. ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ، وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا، إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ، إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً، وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً، إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» ..
إن أهل المدينة هم الذين تبنوا هذه الدعوة وهذه الحركة، فهم أهلها الأقربون. وهم بها ولها. وهم الذين آووا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبايعوه وهم الذين باتوا يمثلون القاعدة الصلبة لهذا الدين في مجتمع الجزيرة كله. وكذلك القبائل الضاربة من حول المدينة وقد أسلمت وباتت تؤلف الحزام الخارجي للقاعدة..
فهؤلاء وهؤلاء ليس لهم أن يتخلفوا عن رسول الله، وليس لهم أن يؤثروا أنفسهم على نفسه.. وحين يخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الحر أو البرد. في الشدة أو الرخاء. في اليسر أو العسر. ليواجه تكاليف هذه الدعوة وأعباءها، فإنه لا يحق لأهل المدينة، أصحاب الدعوة، ومن حولهم من الأعراب، وهم قريبون من شخص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا عذر لهم في ألا يكونوا قد علموا، أن يشفقوا على أنفسهم مما يحتمله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من أجل هذه الاعتبارات يهتف بهم أن يتقوا الله وأن يكونوا مع الصادقين، الذين لم يتخلفوا، ولم تحدثهم نفوسهم بتخلف، ولم يتزلزل إيمانهم في العسرة ولم يتزعزع.. وهم الصفوة المختارة من السابقين والذين اتبعوهم بإحسان:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» .
ثم يمضي السياق بعد هذا الهتاف مستنكراً مبدأ التخلف عن رسول الله:
«ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ» .
وفي التعبير تأنيب خفي. فما يؤنب أحد يصاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأوجع من أن يقال عنه: إنه يرغب بنفسه عن نفس رسول الله، وهو معه، وهو صاحبه! وإنها لإشارة تلحق أصحاب هذه الدعوة في كل جيل. فما كان لمؤمن أن يرغب بنفسه عن مثل ما تعرضت له نفس رسول الله في سبيل هذه الدعوة وهو يزعم أنه صاحب دعوة وأنه يتأسى فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم!

[1] نرجو توفيق الله «في ظلال السيرة» للوقوف طويلا أمام هذه المواقف الموحية في السيرة.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1733
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست