نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1657
ذلك مثل على نصرة الله لرسوله ولكلمته والله قادر على أن يعيده على أيدي قوم آخرين غير الذين يتثاقلون ويتباطأون. وهو مثل من الواقع إن كانوا في حاجة بعد قول الله إلى دليل! وفي ظلال هذا المثل الواقع المؤثر يدعوهم إلى النفرة العامة، لا يعوقهم معوق. ولا يقعد بهم طارئ، إن كانوا يريدون لأنفسهم الخير في هذه الأرض وفي الدار الآخرة:
«انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» ..
انفروا في كل حال، وجاهدوا بالنفوس والأموال، ولا تتلمسوا الحجج والمعاذير، ولا تخضعوا للعوائق والتعلات.
«ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» .
وأدرك المؤمنون المخلصون هذا الخير، فنفروا والعوائق في طريقهم، والأعذار حاضرة لو أرادوا التمسك بالأعذار. ففتح الله عليهم القلوب والأرضين، وأعز بهم كلمة الله، وأعزهم بكلمة الله، وحقق على أيديهم ما يعد خارقة في تاريخ الفتوح.
قرأ أبو طلحة- رضي الله عنه- سورة براءة فأتى على هذه الآية فقال: أرى ربنا استنفرنا شيوخاً وشباناً، جهزوني يا بني. فقال بنوه: يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك. فأبى فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد تسعة أيام، فلم يتغير، فدفنوه بها.
وروى ابن جرير بإسناده- عن أبي راشد الحراني قال: «وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالساً على تابوت من توابيت الصيارفة، وقد فضل عنها من عظمه يريد الغزو فقلت له قد أعذر الله إليك. فقال: أتت علينا سورة البعوث [1] .
«انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا» .
وروى كذلك بإسناده- عن حيان بن زيد الشرعبي قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو، وكان والياً على حمص قبل الأفسوس إلى الجراجمة فرأيت شيخا كبيراً هما، قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق على راحلته فيمن أغار، فأقبلت إليه فقلت: يا عم لقد أعذر الله إليك. قال: فرفع حاجبيه فقال يا ابن أخي استنفرنا الله، خفافاً وثقالاً. ألا إنه من يحبه الله يبتليه، ثم يعيده فيبقيه، وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر، ولم يعبد إلا الله عز وجل.
وبمثل هذا الجد في أخذ كلمات الله انطلق الإسلام في الأرض، يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، وتمت تلك الخارقة في تلك الفتوح التحريرية الفريدة. [1] وردت صفات كثيرة لسورة براءة فسميت «الفاضحة» لما فضحته من سرائر المنافقين. ومنها «المنفرة» و «المعبرة» و «المبعثرة» و «المثيرة» و «البعوث» بفتح الباء لتنفيرها وتعبيرها عما في القلوب وبعثرته وبعثها للمجاهدين. وكذلك المدمدمة والمخزية والمنكلة والمشردة.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1657