نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1656
يقومون على العقيدة، ويؤدون ثمن العزة، ويستعلون على أعداء الله:
«وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً» ..
ولا يقام لكم وزن، ولا تقدمون أو تؤخرون في الحساب! «وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..
لا يعجزه أن يذهب بكم، ويستبدل قوماً غيركم، ويغفلكم من التقدير والحساب! إن الاستعلاء على ثقلة الأرض وعلى ضعف النفس، إثبات للوجود الإنساني الكريم. فهو حياة بالمعنى العلوي للحياة: وإن التثاقل إلى الإرض والاستسلام للخوف إعدام للوجود الإنساني الكريم. فهو فناء في ميزان الله وفي حساب الروح المميزة للأنسان.
ويضرب الله لهم المثل من الواقع التاريخي الذي يعلمونه، على نصرة الله لرسوله بلا عون منهم ولا ولاء، والنصر من عند الله يؤتيه من يشاء:
«إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا، ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ. إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى، وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» ..
ذلك حين ضاقت قريش بمحمد ذرعاً، كما تضيق القوة الغاشمة دائماً بكلمة الحق، لا تملك لها دفعاً، ولا تطيق عليها صبراً، فائتمرت به، وقررت أن تتخلص منه فأطلعه الله على ما ائتمرت، وأوحي إليه بالخروج، فخرج وحيداً إلا من صاحبه الصدّيق، لا جيش ولا عدة، وأعداؤه كثر، وقوتهم إلى قوته ظاهرة. والسياق يرسم مشهد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه:
«إِذْ هُما فِي الْغارِ» .
والقوم على إثرهما يتعقبون، والصديق- رضي الله عنه- يجزع- لا على نفسه ولكن على صاحبه- أن يطلعوا عليهما فيخلصوا إلى صاحبه الحبيب، يقول له: لو أن أحدهم نظر إلى قدمية لأبصرنا تحت قدميه.
والرسول- صلى الله عليه وسلم- وقد أنزل الله سكينته على قلبه، يهدئ من روعه ويطمئن من قلبه فيقول له: «يا أبا بكر ما ظنك بأثنين الله ثالثهما؟» .
ثم ماذا كانت العاقبة، والقوة المادية كلها في جانب، والرسول- صلى الله عليه وسلم- مع صاحبه منها مجرد؟ كان النصر المؤزر من عند الله بجنود لم يرها الناس. وكانت الهزيمة للذين كفروا والذل والصغار:
«وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى» .
وظلت كلمة الله في مكانها العالي منتصرة قوية نافذة:
«وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا» ..
وقد قرئ «وكلمةَ الله» بالنصب. ولكن القراءة بالرفع أقوى في المعنى. لأنها تعطي معنى التقرير.
فكلمة الله هي العليا طبيعة وأصلاً، بدون تصيير متعلق بحادثة معينة. والله «عزيز» لا يذل أولياؤه «حكيم» يقدر النصر في حينه لمن يستحقه.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1656