نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1618
بالقتل والأسر والسلب والهزيمة:
«وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ» ..
«ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ..
فباب المغفرة دائماً مفتوح لمن يخطئ ثم يتوب.
إن معركة حنين التي يذكرها السياق هنا ليعرض نتائج الانشغال عن الله، والاعتماد على قوة غير قوته، لتكشف لنا عن حقيقة أخرى ضمنية. حقيقة القوى التي تعتمد عليها كل عقيدة. إن الكثرة العددية ليست بشيء، إنما هي القلة العارفة المتصلة الثابتة المتجردة للعقيدة. وإن الكثرة لتكون أحياناً سبباً في الهزيمة، لأن بعض الداخلين فيها، التائهين في غمارها، ممن لم يدركوا حقيقة العقيدة التي ينساقون في تيارها، تتزلزل أقدامهم وترتجف في ساعة الشدة فيشيعون الاضطراب والهزيمة في الصفوف، فوق ما تخدع الكثرة أصحابها فتجعلهم يتهاونون في توثيق صلتهم بالله، انشغالاً بهذه الكثرة الظاهرة عن اليقظة لسر النصر في الحياة.
لقد قامت كل عقيدة بالصفوة المختارة، لا بالزبد الذي يذهب جفاء، ولا بالهشيم الذي تذروه الرياح! وعند ما يبلغ السياق إلى هذا المقطع، ويلمس وجدان المسلمين بالذكرى القريبة من التاريخ، ينهي القول في شأن المشركين. ويلقي الكلمة الباقية فيهم إلى يوم الدين:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» ..
إنما المشركون نجس. يجسم التعبير نجاسة أرواحهم فيجعلها ماهيتهم وكيانهم. فهم بكليتهم وبحقيقتهم نجس، يستقذره الحس، ويتطهر منه المتطهرون! وهو النجس المعنوي لا الحسي في الحقيقة، فأجسامهم ليست نجسة بذاتها. إنما هي طريقة التعبير القرآنية بالتجسيم [1] .
«نَجَسٌ. فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا» ..
وتلك غاية في تحريم وجودهم بالمسجد الحرام، حتى لينصبّ النهي على مجرد القرب منه، ويعلل بأنهم نجس وهو الطهور! ولكن الموسم الاقتصادي الذي ينتظره أهل مكة والتجارة التي يعيش عليها معظم الظاهرين في الجزيرة ورحلة الشتاء والصيف التي تكاد تقوم عليها الحياة ... إنها كلها ستتعرض للضياع بمنع المشركين من الحج وبإعلان الجهاد العام على المشركين كافة..
نعم! ولكنها العقيدة. والله يريد أن تخلص القلوب كلها للعقيدة! وبعد ذلك، فالله هو المتكفل بأمر الرزق من وراء الأسباب المعهودة المألوفة:
«وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ» .. [1] يراجع فصل «التخييل الحسي والتجسيم» في كتاب: «التصوير الفني في القرآن» . «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1618