نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1617
ومعهم النساء والولدان والشاء والنعم وجاءوا بقضهم وقضيضهم. فخرج إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في جيشه الذي جاء معه للفتح وهو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب، ومعه الذين أسلموا من أهل مكة، وهم الطلقاء، في ألفين فسار بهم إلى العدو فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له «حنين» فكانت فيه الواقعة في أول النهار في غلس الصبح. انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن، فلما توجهوا لم يشعر المسلمون إلا بهم قد بادروهم، ورشقوا بالنبال، وأصلتوا السيوف، وحملوا حملة رجل واحد كما أمرهم ملكهم. فعند ذلك ولى المسلمون مدبرين- كما قال الله عز وجل- وثبت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ وهو راكب بغلته الشهباء، يسوقها إلى نحو العدو، والعباس آخذ بركابها الأيمن، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها الأيسر، يثقلانها لئلا تسرع السير، وهو ينوه باسمه- عليه الصلاة والسلام- ويدعو المسلمين إلى الرجعة، ويقول: «إلي يا عباد الله. إلي أنا رسول الله» ويقول في تلك الحال: «أنا النبي لا كذب. أنا ابن عبد المطلب» وثبت معه من أصحابه قريب من مائة، ومنهم من قال ثمانون فمنهم أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما- والعباس وعلي والفضل بن عباس، وأبو سفيان بن الحارث، وأيمن بن أم أيمن، وأسامة بن زيد، وغيرهم- رضي الله عنهم- ثم أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- عمه العباس وكان جهير الصوت أن ينادي بأعلى صوته: يا أصحاب الشجرة- يعني شجرة بيعة الرضوان التي بايعه المسلمون من المهاجرين والأنصار تحتها على ألا يفروا عنه- فجعل ينادي بهم:
يا أصحاب السمرة، ويقول تارة: يا أصحاب سورة البقرة. فجعلوا يقولون: يا لبيك، يا لبيك. وانعطف الناس فتراجعوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى إن الرجل منهم إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع لبس درعه ثم انحدر عنه وأرسله، ورجع بنفسه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما اجتمعت شرذمة منهم عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصدقوا الحملة ... وانهزم المشركون فأتبع المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون، وما تراجع بقية الناس إلا والأسرى مجندلة بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
هذه هي المعركة التي اجتمع فيها للمسلمين- للمرة الأولى- جيش عدته اثنا عشر ألفاً فأعجبتهم كثرتهم، وغفلوا بها عن سبب النصر الأول، فردهم الله بالهزيمة في أول المعركة إليه ثم نصرهم بالقلة المؤمنة التي ثبتت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والتصقت به.
والنص يعيد عرض المعركة بمشاهدها المادية، وبانفعالاتها الشعورية:
«إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً، وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ» ..
فمن انفعال الإعجاب بالكثرة، إلى زلزلة الهزيمة الروحية، إلى انفعال الضيق والحرج حتى لكأن الأرض كلها تضيق بهم وتشد عليهم. إلى حركة الهزيمة الحسية، وتولية الأدبار والنكوص على الأعقاب..
«ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ» ..
وكأنما السكينة رداء ينزل فيثبت القلوب الطائرة ويهدئ الانفعالات الثائرة.
«وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها» ..
فلا نعلم ماهيتها وطبيعتها.. وما يعلم جنود ربك إلا هو..
«وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1617