نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1388
إن «العلمية» التي تناقض «الغيبية» جهالة من جهالات القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر. جهالة يرجع عنها «العلم البشري» ذاته، ولا يبقى يرددها في القرن العشرين إلا الجهال [1] ! جهالة تناقض فطرة «الإنسان» ومن ثم تفسد «الحياة» ذلك الإفساد الذي يهدد البشرية بالدمار! ولكنه المخطط الصهيوني الرهيب الذي يريد أن يسلب البشرية كلها قوام حياتها وصلاحها، ليسهل تطويعها لملك صهيون في نهاية المطاف! والذي تردده الببغاوات هنا وهناك، بينما الأوضاع التي أقامتها الصهيونية وكفلتها في أنحاء الأرض تمضي عن علم في تنفيذ المخطط الرهيب هنا وهناك! ولأن قضية الآخرة، وقضية التقوى قضيتان أساسيتان في العقيدة وفي الحياة، يحيل السياق القرآني المخاطبين الذين يتهافتون على عرض هذا الأدنى.. عرض الحياة الدنيا.. إلى العقل:
«وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ.. أَفَلا تَعْقِلُونَ؟» ..
ولو كان العقل هو الذي يحكم لا الهوى.. ولو كان العلم الحق لا الجهالة التي تسمى العلم هو الذي يقضي..
لكانت الدار الآخرة خيراً من عرض هذا الأدنى. ولكانت التقوى زاداً للدين والدنيا جميعاً:
«وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ، إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ» .
وهو تعريض بالذين أخذ عليهم ميثاق الكتاب ودرسوا ما فيه ثم هم لا يتمسكون بالكتاب الذي درسوه، ولا يعملون به، ولا يحكمونه في تصوراتهم وحركاتهم ولا في سلوكهم وحياتهم.. غير أن الآية تبقى- من وراء ذلك التعريض- مطلقة، تعطي مدلولها كاملاً، لكل جيل ولكل حالة.
إن الصيغة اللفظية: «يمسكون» .. تصور مدلولاً يكاد يحس ويرى.. إنها صورة القبض على الكتاب بقوة وجد وصرامة.. الصورة التي يحب الله أن يؤخذ بها كتابه وما فيه.. في غير تعنت ولا تنطع ولا تزمت..
فالجد والقوة والصرامة شيء والتعنت والتنطع والتزمت شيء آخر.. إن الجد والقوة والصرامة لا تنافي اليسر ولكنها تنافي التميع! ولا تنافي سعة الأفق ولكنها تنافي الاستهتار! ولا تنافي مراعاة الواقع ولكنها تنافي أن يكون «الواقع» هو الحكم في شريعة الله! فهو الذي يجب أن يظل محكوماً بشريعة الله! والتمسك بالكتاب في جد وقوة وصرامة وإقامة الصلاة- أي شعائر العبادة- هما طرفا المنهج الرباني لصلاح الحياة.. والتمسك بالكتاب في هذه العبارة مقروناً إلى الشعائر يعني مدلولاً معيناً. إذ يعني تحكيم هذا الكتاب في حياة الناس لإصلاح هذه الحياة، مع إقامة شعائر العبادة لإصلاح قلوب الناس. فهما طرفان للمنهج الذي تصلح به الحياة والنفوس، ولا تصلح بسواه.. والإشارة إلى الإصلاح في الآية:
«إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ» ..
يشير إلى هذه الحقيقة.. حقيقة أن الاستمساك الجاد بالكتاب عملاً، وإقامة الشعائر عبادة هما أداة الإصلاح الذي لا يضيع الله أجره على المصلحين.
وما تفسد الحياة كلها إلا بترك طرفي هذا المنهج الرباني.. ترك الاستمساك الجاد بالكتاب وتحكيمه في حياة الناس وترك العبادة التي تصلح القلوب فتطبق الشرائع دون احتيال على النصوص، كالذي كان يصنعه أهل الكتاب وكالذي يصنعه أهل كل كتاب، حين تفتر القلوب عن العبادة فتفتر عن تقوى الله.. [1] يراجع ما جاء في الجزء السابع عن «العلم» و «الغيب» عند تفسير قوله تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» ص 1113- 1121
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1388