نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1387
«فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى، وَيَقُولُونَ: سَيُغْفَرُ لَنا. وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ» ..
وصفة هذا الخلف الذي جاء بعد ذلك السلف من قوم موسى: أنهم ورثوا الكتاب ودرسوه.. ولكنهم لم يتكيفوا به ولم تتأثر به قلوبهم ولا سلوكهم.. شأن العقيدة حين تتحول إلى ثقافة تدرس وعلم يحفظ..
وكلما رأوا عرضاً من أعراض الحياة الدنيا تهافتوا عليه، ثم تأولوا وقالوا: «سيغفر لنا» .. وهكذا كلما عرض لهم من أعراض الدنيا جديد تهافتوا عليه من جديد! ويسأل سؤال استنكار:
«أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ؟ وَدَرَسُوا ما فِيهِ؟» .
ألم يؤخذ عليهم ميثاق الله في الكتاب ألا يتأولوا ولا يحتالوا على النصوص، وألا يخبروا عن الله إلا بالحق..
فما بالهم يقولون: «سيغفر لنا» ويتهافتون على أعراض الحياة الدنيا؟ ويبررون لأنفسهم هذا بالتقول على الله وتأكيد غفرانه لهم، وهم يعلمون أن الله إنما يغفر لمن يتوبون حقاً ويقلعون عن المعصية فعلاً وليس هذا حالهم، فهم يعودون كلما رأوا عرضاً من أعراض الحياة الدنيا! وهم درسوا هذا الكتاب وعرفوا ما فيه! بلى! ولكن الدراسة لا تجدي ما لم تخالط القلوب. وكم من دارسين للدين وقلوبهم عنه بعيد. إنما يدرسونه ليتأولوا ويحتالوا، ويحرفوا الكلم عن مواضعه، ويجدوا المخارج للفتاوى المغرضة التي تنيلهم عرض الحياة الدنيا.. وهل آفة الدين إلا الذين يدرسونه دراسة ولا يأخذونه عقيدة ولا يتقون الله ولا يرهبونه؟! «وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ. أَفَلا تَعْقِلُونَ؟» .
نعم! إنها الدار الآخرة! إن وزنها في قلوب الذين يتقون هو وحده الذي يرجح الكفة، وهو وحده الذي يعصم من فتنة العرض الأدنى القريب في هذه الدنيا.. نعم إنها هي التي لا يصلح قلب ولا تصلح حياة إلا بها ولا تستقيم نفس ولا تستقيم حياة إلا بملاحظتها.. وإلا فما الذي يعدل في النفس البشرية الرغبة الملحة في حيازة كل عرض يلوح لها من أعراض هذه الأرض؟ وما الذي يحجزها عن الطمع ويكفها عن البغي؟ وما الذي يهدئ فيها هياج الرغائب وسعار الشهوات وجنون المطامع؟ وما الذي يطمئنها في صراع الحياة الدنيا على النصيب الذي لا يضيع بفوات الحياة الدنيا؟ وما الذي يثبتها في المعركة بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وأعراض الأرض تفر من بين يديها وتنأى؟ والشر يتبجح والباطل يطغى؟
لا شيء يثبت على الغير والأحداث وتقلبات الأحوال في هذا الخضم الهائج وفي هذه المعركة الكبرى إلا اليقين في الآخرة، وأنها خير للذين يتقون، ويعفون، ويترفعون، ويثبتون على الحق والخير في وجه الزعازع والأعاصير والفتن، ويمضون في الطريق لا يتلفتون.. مطمئنين واثقين، ملء قلوبهم اليقين [1] ..
وهذه الدار الآخرة غيب من الغيب الذي يريد دعاة «الاشتراكية العلمية» أن يلغوه من قلوبنا ومن عقيدتنا ومن حياتنا ويحلوا محله تصوراً كافراً جاهلاً مطموساً يسمونه: «العلمية» ..
ومن أجل هذه المحاولة البائسة تفسد الحياة، وتفسد النفوس وينطلق السعار المجنون الذي لا يكبحه إلاَّ ذلك اليقين.. ينطلق سعار الرشوة والفساد والطمع والطغيان. وينتشر داء الإهمال وقلة المبالاة والخيانة في كل مجال.. [1] يراجع ما جاء عن عقيدة الآخرة في الجزء السابع من الظلال ص 1068- 1073.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1387