نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1360
الآفات على زروعهم، فلا يريدون أن يرجعوا إلى الله أَلبتة! وإذا أحس أصحاب الزروع من الفلاحين بيد الله في هذه الآفات، - وهو الشعور الفطري حتى في النفوس الكافرة في ساعات الخطر والشدة! - واتجهوا إلى الله بالدعاء أن يكشف عنهم البلاء، قال لهم أصحاب «العلمية!» الكاذبة: هذا الاتجاه خرافة «غيبية!» وتندروا عليهم وسخروا منهم! ليردوهم إلى كفر أشد وأشنع من كفر الوثنيين! ثم تجيء الخاتمة- وفق سنة الله في أخذ المكذبين بعد الابتلاء بالضراء والسراء- وتقع الواقعة. ويدمر الله على فرعون وملئه- بعد إذ أمهلهم وأجلهم إلى أجل هم بالغوه- ويحقق وعده للمستضعفين الصابرين، بعد إهلاك الطغاة المتجبرين:
«فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ، بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا، وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ. وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها» ... «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ، وَما كانُوا يَعْرِشُونَ» ..
والسياق يختصر هنا في حادث الإغراق، ولا يفصل أحداثه كما يفصلها في مواضع أخرى من السور.
ذلك أن الجو هنا هو جو الأخذ الحاسم بعد الإمهال الطويل فلا يعرض لشيء من التفصيل.. إن الحسم السريع هنا أوقع في النفس وأرهب للحس! «فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ» ..
ضربة واحدة، فإذا هم هالكون. ومن التعالي والتطاول والاستكبار، إلى الهويّ في الأعماق والأغوار، جزاء وفاقاً:
«بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ» ..
فيربط بين التكذيب بالآيات والغفلة عنها، وبين هذا المصير المقدور. ويقرر أن الأحداث لا تجري مصادفة، ولا تمضي فلتات عابرة، كما يظن الغافلون! وتنسيقاً للجو الحاسم يعجل السياق كذلك بعرض الصفحة الأخرى- صفحة استخلاف المستضعفين- ذلك أن استخلاف بني إسرائيل- في الفترة التي كانوا أقرب ما يكونون فيها إلى الصلاح وقبل أن يزيغوا فيكتب عليهم الذل والتشرد- لم يكن في مصر، ولم يكن في مكان فرعون وآله. إنما كان في أرض الشام، وبعد عشرات السنوات من حادث إغراق فرعون- بعد وفاة موسى عليه السلام وبعد التيه أربعين سنة كما جاء في السورة الأخرى- ولكن السياق يطوي الزمان والأحداث، ويعجل بعرض الاستخلاف هنا تنسيقاً لصفحتي المشهد المتقابلتين:
«وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها» ... «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ، وَما كانُوا يَعْرِشُونَ [1] » ..
على أننا نحن البشر- الفانين المقيدين بالزمان- إنما نقول «قبل» و «بعد» لأننا نؤرخ للأحداث بوقت مرورها بنا وإدراكنا لها! لذلك نقول: إن استخلاف القوم الذين كانوا يستضعفون، كان متأخراً عن حادث الإغراق.. ذلك إدراكنا البشري.. فأما الوجود المطلق والعلم المطلق فما «قبل» عنده وما «بعد» ؟! [1] أي يبنون.. وقد يراد بها ما كانوا يعرشون من الحدائق، وأكثر ما يكون في إقامة كروم العنب على عرائش. [.....]
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1360