نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1359
من الإسرائيليات والأقوال والروايات التي لا أصل لها والتي تسربت- مع الأسف- إلى التفاسير القديمة كلها، حتى ما ينجو منها تفسير واحد من هذه التفاسير وحتى إن تفسير الإمام ابن جرير الطبري- على نفاسة قيمته- وتفسير ابن كثير كذلك- على عظيم قدره- لم ينجوا من هذه الظاهرة الخطيرة..
وقد وردت روايات شتى في شأن هذه الآيات عن ابن عباس، وعن سعيد بن جبير، وعن قتادة، وعن ابن إسحاق.. رواها أبو جعفر ابن جرير الطبري في تاريخه وفي تفسيره. وهذه واحدة منها:
«حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن المغيرة، عن سعيد بن جبير قال:
لما أتى موسى فرعون قال له: أرسل معي بني إسرائيل، فأبى عليه، فأرسل الله عليهم الطوفان- وهو المطر- فصب عليهم منه شيئاً، فخافوا أن يكون عذاباً، فقالوا لموسى: ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل فأنبت لهم في تلك السنة شيئاً لم ينبته قبل ذلك من الزرع والثمر والكلأ. فقالوا: هذا ما كنا نتمنى! فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه على الكلأ، فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقي الزرع. فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فكشف عنهم الجراد، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل! فداسوا [1] وأحرزوا في البيوت، فقالوا: قد أحرزنا! فأرسل الله عليهم القمل- وهو السوس الذي يخرج منه- فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فلا يرد منها ثلاثة أقفزة [2] . فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه فكشف عنهم، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل. فبينا هو جالس عند فرعون، إذ سمع نقيق ضفدع، فقال لفرعون: ما تلقى أنت وقومك من هذا! فقال: وما عسى أن يكون كيد هذا؟! فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع، ويهم أن يتكلم فتثب الضفادع في فيه. فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل! فكشف عنهم فلم يؤمنوا. فأرسل الله عليهم الدم، فكانوا ما استقوا من الأنهار والآبار، أو ما كان في أوعيتهم، وجدوه دماً عبيطاً [3] . فشكوا إلى فرعون فقالوا: إنا قد ابتلينا بالدم، وليس لنا شراب! فقال: إنه قد سحركم! فقالوا: من أين سحرنا، ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئاً من الماء إلا وجدناه دماً عبيطاً؟ فأتوه فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فكشف عنهم، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل» .
والله أعلم أي ذلك كان.. والصورة التي جاءت بها هذه الآيات لا يؤثر اختلافها في طبيعة هذه الآيات.
فالله- سبحانه- أرسلها بقدره، في وقت معين، ابتلاء لقوم معينين وفق سنته في أخذ المكذبين بالضراء لعلهم يتضرعون.
ولقد كان قوم فرعون على وثنيتهم وجاهليتهم وعلى استخفاف فرعون بهم لفسقهم، يلجأون إلى موسى- عليه السلام- ليدعو ربه بما عهد عنده، ليكشف عنهم البلاء.. وإن كانت السلطات الحاكمة بعد ذلك تنكث ولا تستجيب. لأنها تقوم على ربوبية فرعون للبشر وتفزع من ربوبية الله لهم. إذ أن ذلك معناه هدم نظام الحكم الذي يقوم على حاكمية فرعون لا حاكمية الله! .. أما أهل الجاهلية الحديثة فإن الله يسلط [1] داسوا: درسوا. [2] الجريب والقفيز مكيالان للحبوب، والجريب أربعة أقفزة. [3] عبيطا: طريا.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1359