نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1275
وهو إنما يأتيهم من ناحية نقط الضعف فيهم ومداخل الشهوة. ولا عاصم لهم منه إلا بالتقوِّي بالإيمان والذكر والتقوِّي على إغوائه ووسوسته، والاستعلاء على الشهوات وإخضاع الهوى لهدى الله.
والمعركة مع الشيطان هي المعركة الرئيسية. إنها المعركة مع الهوى باتباع الهدى. والمعركة مع الشهوات باستعلاء الإرادة. والمعركة مع الشر والفساد في الأرض الذي يقود الشيطان أولياءه إليه باتباع شريعة الله المصلحة للأرض.. والمعركة في الضمير والمعركة في الحياة الواقعية متصلتان لا منفصلتان. فالشيطان وراءهما جميعاً! والطواغيت التي تقوم في الأرض لتخضع الناس لحاكميتها وشرعها وقيمها وموازينها، وتستبعد حاكمية الله وشرعه والقيم والموازين المنبثقة من دينه.. إنما هي شياطين الإنس التي توحي لها شياطين الجن. والمعركة معها هي المعركة مع الشيطان نفسه. وليست بعيدة عنها.
وهكذا تتركز المعركة الكبرى الطويلة الضارية في المعركة مع الشيطان ذاته. ومع أوليائه. ويشعر المسلم وهو يخوض المعركة مع هواه وشهواته وهو يخوضها كذلك مع أولياء الشيطان من الطواغيت في الأرض وأتباعهم وأذنابهم وهو يخوضها مع الشر والفساد والانحلال الذي ينشئونه في الأرض من حولهم.. يشعر المسلم وهو يخوض هذه المعارك كلها، أنه إنما يخوض معركة واحدة جدية صارمة ضارية، لأن عدوه فيها مصرٌّ ماض في طريقه.. وأن الجهاد- من ثم- ماض إلى يوم القيامة. في كل صوره ومجالاته.
وأخيراً فإن القصة والتعقيبات عليها- كما سيجيء- تشير إلى شيء مركوز في طبع الإنسان وفطرته.
وهو الحياء من التعري وانكشاف سوأته:
«فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ، لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما» ..
«فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ، فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ» ..
«يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ، وَرِيشاً، وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ. ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ» ..
«يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما» ..
وكلها توحي بأهمية هذه المسألة، وعمقها في الفطرة البشرية. فاللباس، وستر العورة، زينة للإنسان وستر لعوراته الجسدية. كما أن التقوى لباس وستر لعوراته النفسية.
والفطرة السليمة تنفر من انكشاف سوآتها الجسدية والنفسية، وتحرص على سترها ومواراتها.. والذين يحاولون تعرية الجسم من اللباس، وتعرية النفس من التقوى، ومن الحياء من الله ومن الناس والذين يطلقون ألسنتهم وأقلامهم وأجهزة التوجيه والإعلام كلها لتأصيل هذه المحاولة- في شتى الصور والأساليب الشيطانية الخبيثة- هم الذين يريدون سلب «الإنسان» خصائص فطرته، وخصائص «إنسانيته» التي بها صار إنساناً. وهم الذين يريدون إسلام الإنسان لعدوه الشيطان وما يريده به من نزع لباسه وكشف سوآته! وهم الذين ينفذون المخططات الصهيونية الرهيبة لتدمير الإنسانية وإشاعة الانحلال فيها لتخضع لملك صهيون بلا مقاومة. وقد فقدت مقوماتها الإنسانية! إن العري فطرة حيوانية. ولا يميل الإنسان إليه إلا وهو يرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان. وإن رؤية العري جمالاً هو انتكاس في الذوق البشري قطعاً. والمتخلفون في أواسط إفريقية عراة. والإسلام حين يدخل بحضارته إلى هذه المناطق يكون أول مظاهر الحضارة اكتساء العراة! فأما في الجاهلية الحديثة «التقدمية» فهم يرتكسون إلى الوهدة التي ينتشل الإسلام المتخلفين منها، وينقلهم إلى مستوى «الحضارة»
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1275