responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1274
والحقيقة الثالثة: أن هذا الكائن- على كل تفرده هذا أو بسبب تفرده هذا- ضعيف في بعض جوانب تكوينه، حتى ليمكن قيادته إلى الشر والارتكاس إلى الدرك الأسفل، من خطام شهواته.. وفي أولها ضعفه تجاه حبِّ البقاء، وضعفه تجاه حب الملك.. وهو يكون في أشد حالات ضعفه وأدناها حين يبعد عن هدى الله، ويستسلم لهواه، أو يستسلم لعدوه العنيد الذي أخذ على عاتقه إغواءه، في جهد ناصب، لا يكل ولا يدع وسيلة من الوسائل! وقد اقتضت رحمة الله به- من ثم- ألا يتركه لفطرته وحدها، ولا لعقله وحده، وأن يرسل إليه الرسل للإنذار والتذكير- كما سيجيء في آية تالية في معرض التعقيب على القصة- وهذه هي صخرة النجاة بالنسبة له ... النجاة من شهواته بالتخلص من هواه والفرار إلى الله. والنجاة من عدوه الذي يخنس ويتوارى عند ذكره لربه، وتذكر رحمته وغضبه، وثوابه وعقابه..
وهذه كلها مقويات لإرادته، حتى يستعلي على ضعفه وشهواته.. وقد كان أول تدريب له في الجنة هو فرض «المحظور» عليه لتقوية هذه الإرادة، وإبرازها في مواجهة الإغراء والضعف. وإذا كان قد فشل في التجربة الأولى، فقد كانت هذه التجربة رصيداً له فيما سيأتي! ومن رحمة الله به كذلك أن جعل باب التوبة مفتوحاً له في كل لحظة. فإذا نسي ثم تذكر وإذا عثر ثم نهض وإذا غوى ثم تاب.. وجد الباب مفتوحاً له، وقبل الله توبته، وأقال عثرته. فإذا استقام على طريقه بدل الله سيئاته حسنات، وضاعف له ما شاء. ولم يجعل خطيئته الأولى لعنة مكتوبة عليه وعلى ذريته.
فليست هنالك خطيئة أبدية. وليست هنا لك خطيئة موروثة- ولا تزر وازرة وزر أخرى.
وهذه الحقيقة في التصور الإسلامي تنقذ كاهل البشرية من أسطورة الخطيئة الموروثة التي تقوم عليها التصورات الكنسية في المسيحية والتي يقوم عليها ركام هائل من الطقوس والتشكيلات فوق ما يقوم فوقها من الأساطير والخرافات.. خطيئة آدم التي تلازم البشرية كاللعنة المصلتة على الرقاب! حتى يتمثل الإله في صورة ابن الإنسان (المسيح) ويصلب ويحتمل العذاب للتكفير عن هذه الخطيئة الموروثة ومن ثم يكتب (الغفران) لمن يتحد بالمسيح الذي كفر بدمه عن خطيئة آدم التي ورثتها البشرية! إن الأمر في التصور الإسلامي أيسر من هذا بكثير.. لقد نسي آدم وأخطأ.. ولقد تاب واستغفر. ولقد قبل الله توبته وغفر له.. وانتهى أمر تلك الخطيئة الأولى. ولم يبق منها إلا رصيد التجربة الذي يعين الجنس البشري في صراعه الطويل المدى..
أية بساطة! وأي وضوح! وأي يسر في هذه العقيدة! والحقيقة الرابعة: هي جدية المعركة مع الشيطان وأصالتها، واستمرارها وضراوتها..
لقد بدا من سياق القصة إصرار هذا العدو العنيد على ملاحقة الإنسان في كل حالة، وعلى إتيانه من كل صوب وجهة، وعلى اتباعه في كل ساعة ولحظة:
«قالَ: فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ، وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ» ..
لقد اختار اللعين أن يزاول هذا الكيد، وأن يُنظر لمزاولته على المدى الطويل.. اختار هذا على أن يضرع إلى الله أن يغفر له خطيئته في معصيته عيانا وقد سمع أمره مواجهة! ثم بين أنه سيقعد لهم على طريق الله لا يمكنهم من سلوكه وأنه سيأتيهم من كل جهة يصرفهم عن هداه.

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1274
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست