نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1206
هذا المقطع بجملته ليس منفصلا عن الدرس السابق. إنما هو امتداد له. من جنس الموجات المتعاقبة التي يتضمنها.. فهو من ناحية استطرداد في بيان مصائر شياطين الإنس والجن- بعد ما بين مصير الذين يستقيمون على صراط الله- وهو من ناحية استطراد في قضية الإيمان والكفر التي تذكر في هذا الموضع من السورة بمناسبة قضية الحاكمية والتشريع. وربط لهذه القضية الأخيرة بالحقائق الأساسية في العقيدة الإسلامية ومنها حقيقة الجزاء في الآخرة على الكسب في الدنيا- بعد النذارة والبشارة- وحقيقة سلطان الله القادر على الذهاب بالشياطين وأوليائهم وبالناس جميعا واستبدال غيرهم بهم، وحقيقة ضعف البشر جملة أمام بأس الله. وكلها حقائق عقيدية تذكر في معرض الحديث عن التحليل والتحريم في الذبائح- قبلها- ثم يجيء بعدها الحديث في الحلقة التالية عن النذور من الثمار والأنعام والأولاد وعن تقاليد الجاهلية وتصوراتها في هذه الشؤون فيلتحم الحديث عن هذه القضايا جميعاً وتبدو في وضعها الطبيعي الذي يضعها فيه هذا الدين. وهي أنها كلها مسائل اعتقادية على السواء. لا فرق بينها في ميزان الله، كما يقيمه في كتابه الكريم.
لقد مضى في الحلقة السابقة حديث عن الذين يشرح الله صدورهم للإسلام فتبقى قلوبهم ذاكرة لا تغفل وأنهم ماضون إلى دار السلام، منتهون إلى ولاية ربهم وكفالته.. فالآن يعرض الصفحة المقابلة في المشهد- على طريقة القرآن الغالبة في عرض «مشاهد القيامة» [1] - يعرض شياطين الإنس والجن، الذين قضوا الحياة يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً وخداعاً وإضلالا ويقف بعضهم بمساندة بعض عدوا لكل نبي ويوحي بعضهم إلى بعض ليجادلوا المؤمنين في ما شرعه الله لهم من الحلال والحرام.. يعرضهم في مشهد شاخص حي، حافل بالحوار والاعتراف والتأنيب والحكم والتعقيب، فائض بالحياة التي تزخر بها مشاهد القيامة في القرآن.
«وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ! وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ: رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ، وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا! قالَ: النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها- إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ- إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ [1] يراجع كتاب: «مشاهد القيامة في القرآن» . «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1206