نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1184
والتقاليد، إنما زينها للمشركين شركاؤهم الذين يشرعونها لهم ليدمروا حياتهم ويلبسوا عليهم دينهم. وتلبيس الدين وتدمير الحياة كلاهما مرتبطان. فإما شرع الله فهو الدين الواضح والحياة السليمة وإما شرع غير الله فهو الدين الغامض والحياة المهددة بالردى: «وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم» ..
ويتبين أن الشياطين وراء هذا العدول عن شرع الله ودينه، إلى شرع الشركاء ودينهم. وأن الشيطان وهو العدو المبين يقود خطى المشركين إلى الخسران والتدمير: «كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» ..
ويتبين أن التحريم والتحليل- بغير شرع الله- هو والشرك سواء. فهو شرك مثله، وأن إحالة شيء من هذا كله إلى مشيئة الله القاهرة هو دعوى يدعيها المشركون في جميع العصور. فقد شاءت إرادة الله أن تعطي الناس قدرا من الاختيار تبتليهم به ومن ثم فلا قهر على الشرك في كل صوره إنما هو الابتلاء، وهم غير مفلتين من قبضة الله على كل حال. «سيقول الذين أشركوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء. كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا. قل: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون. قل: فلله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين» .
ثم نجد موقفا للإشهاد على أن الله حرم هذا الذي يحرمونه يذكرنا بموقف الإشهاد على قضية الألوهية في أول السورة.. ذلك أنها قضية واحدة في الحقيقة. فمزاولة التشريع مزاولة لخصائص الألوهية.. وهي هي بذاتها القضية: «قل: هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا. فإن شهدوا فلا تشهد معهم. ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا، والذين لا يؤمنون بالآخرة، وهم بربهم يعدلون» .. ويذكرنا التعبير «يعدلون» هنا بأنه هو بذاته اللفظ الذي استخدم في قضية الألوهية في أول السورة. كما ذكرنا في التعريف بالسورة [1] .
ثم تختم هذه الحملة ببيان أن هذا الذي قرره الله في قضية التشريع والتقاليد في الثمار والأنعام والأولاد هو صراط الله المستقيم.. ذات التعبير الذي استخدم من قبل في قضية تحريم الذبائح وتحليلها.. كما استخدم بذاته في قضية الألوهية في أول السورة كما ذكرنا في التعريف بالسورة: «وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون» .
ولا ينتهي السياق بهذا الحشد الذي اقتطفنا منه هذه الإشارات.. بل يمضي في طريقه يتحدث عن كتاب موسى الذي جاء لقوم موسى: «تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ» وعن هذا الكتاب المبارك الذي نزله الله ليتبعه المسلمون ويتقوا لعلهم يرحمون. ولتنقطع حجتهم بأن الكتاب قد نزل على اليهود والنصارى من قبل. وأنهم هم لم يجئهم كتاب يفصل لهم كل شيء فيعرفوا ما شرعه الله حقا وما يقال لهم إنه من شرع الله افتراء! يتبع هذا تهديد الذين لا يتبعون ما جاء به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويبقون على ما هم عليه من شرائع جاهلية ينسبونها إلى الله افتراء عليه، ويتعللون بطلب الخوارق التي تحملهم على التصديق والاتباع..
تهديدهم بأن هذه الخوارق التي يطلبونها ستكون يوم تجيء هي فصل الخطاب حيث يتبعها الدمار والهلاك:
«هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك؟ يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا. قل: انتظروا إنا منتظرون» .. [1] الجزء السابع: ص 1004- 1015
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1184