نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1183
الأضواء على حقائق المشيئة وحقائق الوجود الكوني وحقائق النفس البشرية والدوافع الظاهرة والخفية في حياة البشر. ومن التقريرات الشاملة عن سلطان الله في السماوات والأرض وفي الدنيا والآخرة وفي حياة البشر المستترة والظاهرة ... بهذا الحشد كله يواجه المنهج القرآني ظاهرة واحدة من ظواهر الجاهلية في الأكل أو عدم الأكل من ذبيحة.. فماذا؟ .. إنها القضية الأساسية في هذا الدين.. قضية الحاكمية ولمن تكون ... وبالتعبير المرادف.. قضية الألوهية والربوبية ولمن تكون.. ومن ثم تنال هذه الملابسة الجزئية كل هذا الاحتشاد والتجمع والاحتفال..
وبمثل هذا الاحتشاد وهذا الاحتفال وهذا التجمع يواجه كذلك مسألة النذور في الجاهلية من الثمار والأنعام.. والأولاد..
إن جاهلية العرب لم تكن تجحد الله البتة. ولم تكن تجعل معه إلها آخر يساويه! ولكنها إنما كانت تجعل معه آلهة- من دونه- أقل منه منزلة ورتبة! وكانوا يقولون: إنهم إنما يتخذون من هذه الآلهة شفعاء يقربونهم إلى الله.. وفي هذا كان شركهم. وبهذا كانوا مشركين! وكان من شركهم كذلك أن يبتدعوا هم من عند أنفسهم- يقوم بذلك كهانهم ومشايخهم- شرائع وتقاليد في حياتهم ثم يزعمون أن الله شرعها لهم، وأمرهم بها! .. إنهم لم يكونوا من التبجح في الشرك بحيث ينسبون هذه الشرائع إلى أنفسهم ويدعون أن لهم هم سلطة الحاكمية العليا التي يصدرون بها الشرائع مستقلين عن سلطان الله! لم يكونوا قد عرفوا بعد هذا التبجح الذي عرفه مشركو هذا الزمان ممن يدعون- من دون الله- السلطان.. وفي هذا كذلك كان شركهم وبهذا كانوا مشركين! من هذه الشرائع والتقاليد التي ابتدعوها وزعموا أنها شريعة الله ما كانوا ينذرونه من الثمار والأنعام لله سبحانه ولآلهتهم المدعاة! ثم يتصرفون بعد ذلك على هواهم أو على هوى السدنة والكهنة «فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، وما كان لله، فهو يصل إلى شركائهم» ! ومنها ما كانوا ينذرونه من أولادهم للآلهة المزعومة وما كانوا يقتلونه من البنات اتباعا لعرف القبيلة! ومنها ما كانوا يحجرونه من الأنعام ومن الزروع لا يطعمه إلا من شاء الله- وهم الذين يزعمون تحريمها، وهم كذلك الذين يعينون من هم الذين شاء الله أن يطعموها! ومنها ما كانوا يحرمون ركوبه من الأنعام. كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي [1] ! ومنها ما كانوا يمنعون أن يذكر اسم الله عليه من الذبائح. زاعمين أن هذا من أمر الله! ومنها ما كانوا يخصصونه- من الحمل الذي في بطون الأنعام- للذكور منهم دون الإناث. إلا إذا نزل ميتا فيشارك فيه الإناث.. وكانوا يجعلون هذا حراما وذلك حلالا! ومنه الميتة التي كانوا يحلونها ويقولون: ذبحها الله. فهي حلال بذبح الله! والقرآن يواجه هذا كله بحملة كاشفة يحشد فيها من المقررات الأساسية في العقيدة والمشاهد والحقائق المؤثرة ما يحشده في مواجهة قضية الشرك والإيمان في سياق السورة كله.. لأنها هي هي بعينها قضية الشرك والإيمان، في صورة تطبيقية واقعة..
ومن خلال هذه الحملة يتبين أن القضية هي قضية هذا الدين كما هي قضية هذه العقيدة. فهذه التشريعات [1] يراجع تعريفها في سورة المائدة في الجزء السابع: ص 989- 990.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1183