responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 214
وَالرَّهْبَانِيَّةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا. وَهِيَ بِالْفَتْحِ الْخَوْفُ مِنَ الرَّهْبِ، وَبِالضَّمِّ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الرُّهْبَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ غَلَوْا فِي الْعِبَادَةِ، وحملوا على أنفسهم المشتقات فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَنْكِحِ، وَتَعَلَّقُوا بِالْكُهُوفِ وَالصَّوَامِعِ لِأَنَّ مُلُوكَهُمْ غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا وَبَقِيَ مِنْهُمْ نَفَرٌ قَلِيلٌ فَتَرَهَّبُوا وَتَبَتَّلُوا، ذَكَرَ مَعْنَاهُ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ بَدَلًا مِنَ الْهَاءِ وَالْأَلِفِ فِي كَتَبْنَاهَا، وَالْمَعْنَى: مَا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها أَيْ: لَمْ يَرْعَوْا هَذِهِ الرَّهْبَانِيَّةَ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا مِنْ جِهَةِ أَنْفُسِهِمْ، بل صنعوها وَكَفَرُوا بِدِينِ عِيسَى، وَدَخَلُوا فِي دِينِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ غَيَّرُوا وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا التَّرَهُّبَ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى دِينِ عِيسَى إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، وَهُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ بِالْإِيمَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِعِيسَى وَثَبَتُوا عَلَى دِينِهِ حَتَّى آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خَارِجُونَ عَنِ الْإِيمَانِ بِمَا أُمِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، وَوَجْهُ الذَّمِّ لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمُ الرَّهْبَانِيَّةَ مُعْتَقِدِينَ أَنَّهَا طَاعَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ يَرْضَاهَا، فَكَانَ تَرْكُهَا وَعَدَمُ رِعَايَتِهَا حَقَّ الرِّعَايَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُبَالَاتِهِمْ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ دِينًا. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ: مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا لِيَبْتَغُوا بِهَا رِضْوَانَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ وَفَّقْنَاهُمْ لِابْتِدَاعِهَا فَوَجْهُ الذَّمِّ ظَاهِرٌ. ثُمَّ أَمَرَ سُبْحَانَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالرُّسُلِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِالتَّقْوَى وَالْإِيمَانِ بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ بِتَرْكِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ
أَيْ: نَصِيبَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ بِسَبَبِ إِيمَانِكُمْ بِرَسُولِهِ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ بِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَأَصْلُ الْكِفْلِ: الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ يَعْنِي عَلَى الصِّرَاطِ كَمَا قَالَ: نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ [1] وَقِيلَ:
الْمَعْنَى: وَيَجْعَلْ لَكُمْ سَبِيلًا وَاضِحًا فِي الدِّينِ تَهْتَدُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ: بَلِيغُ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَالتَّقْدِيرُ: اتَّقُوا وَآمِنُوا يُؤْتِكُمْ كَذَا وَكَذَا لِيَعْلَمَ الَّذِينَ لَمْ يَتَّقُوا وَلَا آمَنُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَ «لَا» فِي قَوْلِهِ: لِئَلَّا زائدة للتوكيد، قاله الفراء والأخفش وغير هما، وأن في قوله: أَلَّا يَقْدِرُونَ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٍ، وَخَبَرُهَا مَا بَعْدَهَا، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولُ يَعْلَمَ، وَالْمَعْنَى: لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَنَالُوا شَيْئًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ الْفَضْلِ الَّذِي تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ، وَجُمْلَةُ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَيْ:
لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقَوْلُهُ: يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ خَبَرٌ ثان لأنّ، أَوْ هُوَ الْخَبَرُ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْفَضْلِ هُنَا مَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَآمَنُوا بِرَسُولِهِ مِنَ الْأَجْرِ الْمُضَاعَفِ. وَقَالَ الكلبي:

[1] التحريم: 8.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 214
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست