responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 599
خَيْرَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَاسْتَحَقَّ خَيْرَ الْآخِرَةِ بِذَلِكَ الَّذِي اعْتَقَدَهُ فِي نَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهَا، وَهُوَ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ، وَظَنٌّ فَاسِدٌ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا أَيْ: لَنُخْبِرَنَّهُمْ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ شَدِيدٍ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ، وَاللَّامُ هَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا هِيَ الْمُوطِئَةُ لِلْقَسَمِ وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَيْ: عَلَى هَذَا الْجِنْسِ بِاعْتِبَارِ غَالِبِ أَفْرَادِهِ أَعْرَضَ عَنِ الشُّكْرِ وَنَأى بِجانِبِهِ أَيْ تَرَفَّعَ عَنِ الِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ، وَتَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ، وَالْجَانِبُ هُنَا مَجَازٌ عَنِ النَّفْسِ، وَيُقَالُ نَأَيْتُ وَتَنَاءَيْتُ: أَيْ: بَعُدْتُ وَتَبَاعَدْتُ، وَالْمُنْتَأَى: الْمَوْضِعُ الْبَعِيدُ. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
فَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي ... وَإِنْ خِلْتُ أَنَّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ
وَقَرَأَ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ «وَنَاءَ بِجَانِبِهِ» بِالْأَلِفِ قَبْلَ الْهَمْزَةِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ أَيِ: الْبَلَاءُ وَالْجَهْدُ، وَالْفَقْرُ، وَالْمَرَضُ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ أَيْ: كَثِيرٍ، وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الطُّولَ وَالْعَرْضَ فِي الْكَثْرَةِ مَجَازًا، يُقَالُ: أَطَالَ فُلَانٌ فِي الْكَلَامِ وَأَعْرَضَ فِي الدُّعَاءِ: إِذَا أَكْثَرَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ تَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ، وَاسْتَغَاثَ بِهِ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ مَا نَزَلَ بِهِ، وَاسْتَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرَهُ فِي الشِّدَّةِ وَنَسِيَهُ فِي الرَّخَاءِ وَاسْتَغَاثَ بِهِ عِنْدَ نُزُولِ النِّقْمَةِ، وَتَرَكَهُ عِنْدَ حُصُولِ النِّعْمَةِ، وَهَذَا صَنِيعُ الْكَافِرِينَ وَمَنْ كَانَ غَيْرَ ثَابِتِ الْقَدَمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ رَجَعَ سُبْحَانَهُ إِلَى مُخَاطَبَةِ الْكُفَّارِ، وَمُحَاجَّتِهِمْ فَقَالَ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ أَيْ: أَخْبِرُونِي إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَيِ:
الْقُرْآنُ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ أَيْ: كَذَّبْتُمْ بِهِ، وَلَمْ تَقْبَلُوهُ، وَلَا عَمِلْتُمْ بِمَا فِيهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ أَيْ: لَا أَحَدَ أَضَلُّ مِنْكُمْ لِفَرْطِ شَقَاوَتِكُمْ، وَشِدَّةِ عَدَاوَتِكُمْ، وَالْأَصْلُ: أَيُّ شَيْءٍ أَضَلُّ مِنْكُمْ، فَوُضِعَ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِبَيَانِ حَالِهِمْ فِي الْمُشَاقَّةِ، وَأَنَّهَا السَّبَبُ الْأَعْظَمُ فِي ضَلَالِهِمْ سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ أَيْ: سَنُرِيهِمْ دَلَالَاتِ صِدْقِ الْقُرْآنِ، وَعَلَامَاتِ كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ الْآفَاقُ: جَمْعُ أُفُقٍ: وَهُوَ النَّاحِيَةُ. وَالْأُفُقُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ والفاء، كذا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ. وَنَقَلَ الرَّاغِبُ أَنَّهُ يُقَالُ أَفَقٌ بِفَتْحِهِمَا، وَالْمَعْنَى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي النَّوَاحِي وفي أنفسهم. قال ابن زيد: في الآفاق آيات السماء، وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَوَادِثَ الْأَرْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي الْآفَاقِ فَتْحُ الْقُرَى الَّتِي يَسَّرَ اللَّهُ فَتْحَهَا لرسوله وللخلفاء من بعده ونصّار دِينِهِ فِي آفَاقِ الدُّنْيَا شَرْقًا وَغَرْبًا، وَمِنَ الظُّهُورِ عَلَى الْجَبَابِرَةِ وَالْأَكَاسِرَةِ، وَفِي أَنْفُسِهِمْ: فَتْحِ مَكَّةَ، وَرَجَّحَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: فِي الْآفَاقِ: وَقَائِعِ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ، وَفِي أَنْفُسِهِمْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: في الآفاق: يعني أقطار السموات وَالْأَرْضِ، مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالنُّجُومِ وَاللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ، وَالرِّيَاحِ، وَالْأَمْطَارِ، وَالرَّعْدِ، وَالْبَرْقِ، وَالصَّوَاعِقِ، وَالنَّبَاتِ، وَالْأَشْجَارِ، وَالْجِبَالِ، وَالْبِحَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ لَطِيفِ الصَّنْعَةِ، وَبَدِيعِ الْحِكْمَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [1] . حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْقُرْآنِ، وَقِيلَ: إِلَى الْإِسْلَامِ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: إِلَى مَا يُرِيهِمُ اللَّهُ، وَيَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الرَّسُولُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ الْجُمْلَةُ مَسُوقَةٌ لِتَوْبِيخِهِمْ وَتَقْرِيعِهِمْ

[1] الذاريات: 21.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 599
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست