responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 260
دَعَوْهُ فَخَلَّصَهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ. وَهَذَا الْكَلَامُ مَسُوقٌ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، وَمَا صَارُوا عَلَيْهِ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ نُزُولِ الشَّدَائِدِ، وَالرُّجُوعِ إِلَى الشِّرْكِ عِنْدَ رَفْعِ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَاللَّامُ فِي لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ هِيَ لام كي، وقيل: لام لِقَصْدِ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ، وَقِيلَ: هِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ. ثُمَّ خَاطَبَ سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَقَعَ مِنْهُمْ مَا وَقَعَ فَقَالَ: فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَا يَتَعَقَّبُ هَذَا التَّمَتُّعَ الزَّائِلَ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «فَتَمَتَّعُوا» عَلَى الْخِطَابِ. وَقَرَأَ أَبُو الْعَالِيَةِ بِالتَّحْتِيَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ «فَلْيَتَمَتَّعُوا» أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً أَمْ: هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ، وَالِاسْتِفْهَامُ: لِلْإِنْكَارِ، وَالسُّلْطَانُ:
الْحُجَّةُ الظَّاهِرَةُ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ أَيْ: يَدُلُّ كَمَا فِي قَوْلِهِ: هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ [1] قَالَ الْفَرَّاءُ:
إِنَّ الْعَرَبَ تُؤَنِّثُ السُّلْطَانَ، يَقُولُونَ: قَضَتْ بِهِ عَلَيْكَ السُّلْطَانُ. فَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ: فَالتَّذْكِيرُ عِنْدَهُمْ أَفْصَحُ، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ، وَالتَّأْنِيثُ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْحُجَّةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ: الْمَلِكُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ أَيْ: يَنْطِقُ بِإِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ سَبَبِيَّةً، أَيْ: بِالْأَمْرِ الَّذِي بِسَبَبِهِ يُشْرِكُونَ وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً أَيْ: خِصْبًا وَنِعْمَةً، وَسَعَةً وَعَافِيَةً فَرِحُوا بِها فَرَحَ بَطَرٍ، وَأَشَرٍ، لَا فَرَحَ شُكْرٍ بِهَا وَابْتِهَاجٍ بِوُصُولِهَا إِلَيْهِمْ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ثم قال سبحانه: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ شِدَّةٌ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أَيْ: بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ الْقُنُوطُ:
الْإِيَاسُ مِنَ الرَّحْمَةِ، كَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْقُنُوطُ: تَرْكُ فَرَائِضِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «يَقْنُطُونَ» بِضَمِّ النُّونِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ بِكَسْرِهَا أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَيُوَسِّعُ لَهُ وَيَقْدِرُ أَيْ: يُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ لِمَصْلَحَةٍ فِي التَّوْسِيعِ لِمَنْ وُسِّعَ لَهُ، وَفِي التَّضْيِيقِ عَلَى مَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى الْحَقِّ لِدَلَالَتِهَا عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَبَدِيعِ الصُّنْعِ وَغَرِيبِ الْخَلْقِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ يُلَبِّي أَهْلُ الشِّرْكِ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكَ هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ هِيَ فِي الْآلِهَةِ، وَفِيهِ يَقُولُ تَخَافُونَهُمْ أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ قَالَ: دِينُ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ قَالَ: الْقَضَاءُ الْقَيِّمُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن الأسود ابن سَرِيعٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى خَيْبَرَ فَقَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ، فَانْتَهَى الْقَتْلُ إِلَى الذُّرِّيَّةِ، فَلَمَّا جَاءُوا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى قَتْلِ الذُّرِّيَّةِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّمَا كَانُوا أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ:
وَهَلْ خِيَارُكُمْ إِلَّا أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ نَسَمَةٍ تُولَدُ إِلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَإِذَا عَبَّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنِ الربيع بن أنس

[1] الجاثية: 29.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 260
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست