responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 570
دَعْهُ إِلَى يَوْمٍ مَا، فَلَمَّا سَمِعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَلَامَهُمْ وَعَرِفَ تَمَادِيَهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَإِصْرَارَهُمْ عَلَيْهِ قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَيْهِمْ فَانْتَقِمْ مِنْهُمْ بِمَا تَشَاءُ وَكَيْفَ تُرِيدُ، وَالْبَاءُ فِي بِما كَذَّبُونِ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ: بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّايَ فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ، أَيْ: أَرْسَلْنَا إِلَيْهِ رسولا من السماء أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ و «أن» هِيَ مُفَسِّرَةٌ لِمَا فِي الْوَحْيِ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ بِأَعْيُنِنا أَيْ: مُتَلَبِّسًا بِحِفْظِنَا وَكَلَاءَتِنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي هُودٍ. وَمَعْنَى وَوَحْيِنا أَمْرِنَا لَكَ وَتَعْلِيمِنَا إِيَّاكَ لِكَيْفِيَّةِ صُنْعِهَا، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا جاءَ أَمْرُنا لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ صُنْعِ الْفُلْكِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْعَذَابُ وَفارَ التَّنُّورُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ عَطْفَ النَّسَقِ، وَقِيلَ: عَطْفَ الْبَيَانِ، أَيْ: إِنَّ مَجِيءَ الْأَمْرِ هُوَ فَوْرُ التَّنُّورِ، أَيْ: تَنُّورِ آدَمَ الصَّائِرُ إِلَى نُوحٍ، أَيْ: إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أَيِ: ادْخُلْ فِيهَا، يُقَالُ:
سلكه في كذا أدخله، وأسلكته: أدخلته. وقرأ حَفْصٌ مِنْ كُلٍّ بِالتَّنْوِينِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِضَافَةِ، وَمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى مِنْ كُلِّ أُمَّةِ زَوْجَيْنِ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ، وَهُمَا أُمَّةُ الذكر والأنثى اثنين، وانتصاب أَهْلَكَ بِفِعْلٍ مَعْطُوفٍ عَلَى «فَاسْلُكْ» ، لَا بِالْعَطْفِ عَلَى زَوْجَيْنِ، أَوْ عَلَى اثْنَيْنِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ لِأَدَائِهِ إِلَى اخْتِلَافِ الْمَعْنَى، أَيْ: وَاسْلُكْ أَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ أَيِ: الْقَوْلِ بِإِهْلَاكِهِمْ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا بِالدُّعَاءِ لَهُمْ بِإِنْجَائِهِمْ، وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الْمُخَاطَبَةِ، أَيْ:
إِنَّهُمْ مَقْضِيٌّ عَلَيْهِمْ بِالْإِغْرَاقِ لِظُلْمِهِمْ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ لَهُ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَيْ:
عَلَوْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ مِنْ أَهْلِكَ وَأَتْبَاعِكَ عَلَى الْفُلْكِ رَاكِبِينَ عَلَيْهِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أَيْ: حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَخَلَّصَنَا مِنْهُمْ، كَقَوْلِهِ: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [1] . وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي سُورَةِ هود على التمام والكمال، وإنما جعل سبحانه اسْتِوَاءَهُمْ عَلَى السَّفِينَةِ نَجَاةً مِنَ الْغَرَقِ جَزْمًا، لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نَجَاتِهِمْ مِنَ الظَّلَمَةِ، وَسَلَامَتِهِمْ مِنْ أَنْ يُصَابُوا بِمَا أُصِيبُوا بِهِ مِنَ الْعَذَابِ. ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ مَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ وَأَتَمُّ فَائِدَةً فَقَالَ: وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً أَيْ: أَنْزِلْنِي فِي السَّفِينَةِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «مُنْزَلًا» بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ.
وَقَرَأَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَالْمُفَضَّلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ مَكَانٍ. فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى:
أَنْزِلْنِي إِنْزَالًا مُبَارَكًا، وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ: أَنْزِلْنِي مَكَانًا مُبَارَكًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْمَنْزَلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالزَّايِ:
النُّزُولُ، وَهُوَ الْحُلُولُ، تَقُولُ: نَزَلْتُ نُزُولًا وَمَنْزَلًا، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَإِنْ ذَكَّرَتْكَ الدَّارُ مَنْزِلَهَا جُمْلُ ... بِكَيْتَ فَدَمْعُ الْعَيْنِ مُنْحَدِرٌ سَجْلُ
بِنَصْبِ مَنْزِلِهَا لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ. قِيلَ: أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدَ دُخُولِهِ السَّفِينَةَ، وَقِيلَ:
عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَالْآيَةُ تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ إِذَا رَكِبُوا ثُمَّ نَزَلُوا أَنْ يَقُولُوا هَذَا الْقَوْلَ. وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ هَذَا ثَنَاءٌ مِنْهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِثْرَ دُعَائِهِ لَهُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إنّه أمر أن يقول عند استوائه

[1] الأنعام: 45.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 570
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست