responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 540
قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ «يَدْفَعُ» وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يُدَافِعُ، وَصِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ هُنَا مُجَرَّدَةٌ عَنْ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ وُقُوعُ الْفِعْلِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى. وَقَدْ تَرِدُ هَذِهِ الصِّيغَةُ وَلَا يُرَادُ بِهَا مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ كَثِيرًا، مِثْلُ عَاقَبْتُ اللِّصَّ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَحْقِيقَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ إِيرَادَ هَذِهِ الصِّيغَةِ هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ، وَقِيلَ:
لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ الْوَاقِعِ. والمعنى: يدفع عَنِ الْمُؤْمِنِينَ غَوَائِلَ الْمُشْرِكِينَ، وَقِيلَ: يُعْلِي حُجَّتَهُمْ، وَقِيلَ:
يُوَفِّقُهُمْ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ هَذِهِ الْمَزِيَّةِ الْحَاصِلَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَنَّهُ الْمُتَوَلِّي لِلْمُدَافَعَةِ عَنْهُمْ، وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ الْمُدَافَعَةَ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مُشْعِرَةٌ أَتَمَّ إِشْعَارٍ بِأَنَّهُمْ مُبْغَضُونَ إِلَى اللَّهِ غَيْرُ مَحْبُوبِينَ لَهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ ذَكَرَ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ وَتَقَرَّبَ إِلَى الْأَصْنَامِ بِذَبِيحَتِهِ فَهُوَ خَوَّانٌ كَفُورٌ، وَإِيرَادُ صِيغَتَيِ الْمُبَالَغَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ لَا لِإِخْرَاجِ مَنْ خَانَ دُونَ خِيَانَتِهِمْ، أَوْ كَفَرَ دُونَ كُفْرِهِمْ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا قُرِئَ «أُذِنَ» مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَمَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَكَذَلِكَ «يُقَاتَلُونَ» ، قُرِئَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَمَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَعَلَى كِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ فَالْإِذْنُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمْ إِذَا صَلَحُوا لِلْقِتَالِ، أَوْ قَاتَلَهُمُ الْمُشْرِكُونَ قَاتَلُوهُمْ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:
كَانَ مُشْرِكُو مَكَّةَ يُؤْذُونَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ، فَيَشْكُونَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقول لهم: «اصبروا فإني لم أومر بِالْقِتَالِ» حَتَّى هَاجَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْآيَةَ بِالْمَدِينَةِ، وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مُقَرِّرَةٌ أَيْضًا لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ فَإِنَّ إِبَاحَةَ الْقِتَالِ لَهُمْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ دَفْعِ اللَّهِ عَنْهُمْ، وَالْبَاءُ فِي بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ: بِسَبَبِ أَنَّهُمْ ظُلِمُوا بِمَا كَانَ يَقَعُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ سَبٍّ وَضَرْبٍ وَطَرْدٍ، ثُمَّ وَعَدَهُمْ سُبْحَانَهُ النَّصْرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ وَفِيهِ تَأْكِيدٌ لِمَا مَرَّ مِنَ الْمُدَافَعَةِ أَيْضًا. ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الَّذِينَ يُقَاتَلُونَ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْمَدْحِ، أَوْ مَحَلِّ رَفْعٍ بِإِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، وَالْمُرَادُ بِالدِّيَارِ مَكَّةُ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ: لَكِنْ لِقَوْلِهِمْ رَبُّنَا اللَّهُ، أَيْ أُخْرِجُوا بِغَيْرِ حَقٍّ يُوجِبُ إِخْرَاجَهُمْ لَكِنْ لِقَوْلِهِمْ رَبُّنَا اللَّهُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ، وَالتَّقْدِيرُ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِلَا حَقٍّ إِلَّا بِأَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا [1] وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولُ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ قَرَأَ نَافِعٌ «وَلَوْلَا دِفَاعُ» وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَلَوْلا دَفْعُ وَالْمَعْنَى: لَوْلَا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ قِتَالِ الْأَعْدَاءِ لَاسْتَوْلَى أَهْلُ الشِّرْكِ، وَذَهَبَتْ مَوَاضِعُ الْعِبَادَةِ مِنَ الْأَرْضِ، وَمَعْنَى لَهُدِّمَتْ لَخُرِّبَتْ بِاسْتِيلَاءِ أَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ فَالصَّوَامِعُ: هِيَ صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ، وَقِيلَ: صَوَامِعُ الصَّابِئِينَ، وَالْبِيَعُ: جَمْعُ بِيعَةٍ، وَهِيَ كَنِيسَةُ النَّصَارَى، وَالصَّلَوَاتُ هِيَ كنائس اليهود، واسمها بالعبرانية صلوثا

[1] الأعراف: 126.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 540
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست