responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 489
يَشْهَدُونَ طَعْنَهُ عَلَى أَصْنَامِهِمْ، وَجُمْلَةُ قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنا يَا إِبْراهِيمُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ حِينَ أَتَوْا بِهِ فَاسْتَفْهَمُوهُ هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فِي زَعْمِهِمْ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا أَيْ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ مُقِيمًا لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، مُبَكِّتًا لَهُمْ، بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، مُشِيرًا إِلَى الصَّنَمِ الَّذِي تَرَكَهُ ولم يكسره فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ أَيْ: إِنْ كَانُوا مِمَّنْ يُمْكِنُهُ النُّطْقَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ وَيَفْهَمُ مَا يقال له فيجيب عنه بما يطابقه، أراد عليه الصلاة والسلام أن يبيّن لهم أن من لا يتكلم ولا يعلم ليس بمستحق للعبادة، وَلَا يَصِحُّ فِي الْعَقْلِ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِلَهٌ. فَأُخْرِجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ التَّعْرِيضِ لَهُمْ بِمَا يُوقِعُهُمْ فِي الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ الْجَمَادَاتِ الَّتِي عَبَدُوهَا لَيْسَتْ بِآلِهَةٍ، لِأَنَّهُمْ إِذَا قَالُوا إِنَّهُمْ لَا يَنْطِقُونَ، قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَنْ يَعْجَزُ عَنِ النُّطْقِ، وَيَقْصُرُ عَنْ أَنْ يَعْلَمَ بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؟ فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ بَابِ فَرْضِ الْبَاطِلِ مَعَ الْخَصْمِ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْحُجَّةُ وَيَعْتَرِفَ بِالْحَقِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَقْطَعُ لِشُبْهَتِهِ وَأَدْفَعُ لِمُكَابَرَتِهِ، وَقِيلَ أَرَادَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِنِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَى ذَلِكَ الْكَبِيرِ مِنَ الْأَصْنَامِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَارَ وَغَضِبَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ وَتُعْبَدَ الصِّغَارُ مَعَهُ إِرْشَادًا لَهُمْ إِلَى أَنَّ عِبَادَةَ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَدْفَعُ، لَا تُسْتَحْسَنُ فِي الْعَقْلِ مَعَ وُجُودِ خَالِقِهَا وَخَالِقِهِمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وقرأ ابن السّميقع بَلْ فَعَلَهُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ، عَلَى مَعْنَى بَلْ فَلَعَلَّ الْفَاعِلَ كَبِيرُهُمْ فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ أَيْ: رَجَعَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ رُجُوعَ الْمُنْقَطِعِ عَنْ حُجَّتِهِ، الْمُتَفَطِّنِ لِصِحَّةِ حُجَّةِ خَصْمِهِ الْمُرَاجِعِ لِعَقْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَنَبَّهُوا وَفَهِمُوا عِنْدَ هَذِهِ الْمُقَاوَلَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى الْإِضْرَارِ بِمَنْ فَعَلَ بِهِ مَا فَعَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بِتِلْكَ الْأَصْنَامِ، يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِلْعِبَادَةِ، وَلِهَذَا فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ أَيْ:
قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ لِأَنْفُسِكُمْ بِعِبَادَةِ هَذِهِ الْجَمَادَاتِ، وَلَيْسَ الظَّالِمُ مَنْ نَسَبْتُمُ الظُّلْمَ إِلَيْهِ بِقَوْلِكُمْ:
إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ أَيْ: رَجَعُوا إِلَى جَهْلِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، شَبَّهَ سُبْحَانَهُ عَوْدَهُمْ إِلَى الْبَاطِلِ بِصَيْرُورَةِ أَسْفَلِ الشَّيْءِ أَعْلَاهُ، وقيل: المعنى: أنهم طأطئوا رؤوسهم خجلا مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ نكسوا رؤوسهم بِفَتْحِ الْكَافِ، وَإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَيْهِمْ، حَتَّى يَصِحَّ هذا التفسير، بل قال: «نكسوا على رؤوسهم» وَقُرِئَ «نُكِّسُوا» بِالتَّشْدِيدِ، ثُمَّ قَالُوا بَعْدَ أَنْ نُكِسُوا مُخَاطِبِينَ لِإِبْرَاهِيمَ: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ أَيْ: قَائِلِينَ لِإِبْرَاهِيمَ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ النطق ليس من شأن هذه الأصنام، ف قالَ إِبْرَاهِيمُ مُبَكِّتًا لَهُمْ، وَمُزْرِيًا عَلَيْهِمْ: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً مِنَ النَّفْعِ وَلا يَضُرُّكُمْ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ، ثُمَّ تَضَجَّرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَفِي هَذَا تَحْقِيرٌ لَهُمْ وَلِمَعْبُودَاتِهِمْ، وَاللَّامُ فِي «لَكُمْ» لِبَيَانِ الْمُتَأَفَّفِ بِهِ أَيْ: لَكُمْ وَلِآلِهَتِكُمْ، وَالتَّأَفُّفُ: صَوْتٌ يَدُلُّ عَلَى التَّضَجُّرِ أَفَلا تَعْقِلُونَ أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ عُقُولٌ تَتَفَكَّرُونَ بِهَا، فَتَعْلَمُونَ هَذَا الصُّنْعَ الْقَبِيحَ الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ قالُوا حَرِّقُوهُ أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَمَّا أَعْيَتْهُمُ الْحِيلَةُ فِي دَفْعِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَجَزُوا عَنْ مُجَادَلَتِهِ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ مَسَالِكُ الْمُنَاظَرَةِ: حَرِّقُوا إِبْرَاهِيمَ، انْصِرَافًا مِنْهُمْ إِلَى طَرِيقِ الظُّلْمِ وَالْغَشْمِ، وَمَيْلًا مِنْهُمْ إِلَى إِظْهَارِ الْغَلَبَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَعَلَى أَيِّ أَمْرٍ اتَّفَقَ، وَلِهَذَا قَالُوا: وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ أَيِ: انْصُرُوهَا

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 489
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست