responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 404
وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَةِ، وَالْمَاءِ بِالْمَاءِ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ! وَيَا أَتْبَاعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَا بَالُكُمْ تَرَكْتُمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ جَانِبًا، وَعَمَدْتُمْ إِلَى رِجَالٍ هُمْ مِثْلُكُمْ فِي تَعَبُّدِ اللَّهِ لَهُمْ بِهِمَا، وَطَلَبِهِ مِنْهُمْ لِلْعَمَلِ بِمَا دَلَّا عَلَيْهِ وَأَفَادَهُ، فَعَلْتُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْآرَاءِ الَّتِي لَمْ تُعَمَّدْ بِعِمَادِ الْحَقِّ، وَلَمْ تُعَضَّدْ بِعَضُدِ الدِّينِ وَنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، تُنَادِي بِأَبْلَغِ نِدَاءٍ وَتُصَوِّتُ بِأَعْلَى صَوْتٍ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَيُبَايِنُهُ، فَأَعَرْتُمُوهُمَا آذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، وَأَفْهَامًا مَرِيضَةً، وَعُقُولًا مَهِيضَةً، وَأَذْهَانًا كَلَيْلَةً، وَخَوَاطِرَ عَلِيلَةً، وَأَنْشَدْتُمْ بِلِسَانِ الْحَالِ:
وَمَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشَدُ
فَدَعُوا أَرْشَدَكُمُ اللَّهُ وَإِيَّايَ كُتُبًا كَتَبَهَا لَكُمُ الْأَمْوَاتُ مِنْ أَسْلَافِكُمْ، وَاسْتَبْدِلُوا بِهَا كِتَابَ اللَّهِ خَالِقِهُمْ وَخَالِقِكُمْ، وَمُتَعَبَّدِهِمْ وَمُتَعَبَّدِكُمْ، وَمَعْبُودِهِمْ وَمَعْبُودِكُمْ، وَاسْتَبْدَلُوا بِأَقْوَالِ مَنْ تَدْعُونَهُمْ بِأَئِمَّتِكُمْ وَمَا جَاءُوكُمْ بِهِ مِنَ الرَّأْيِ بِأَقْوَالِ إِمَامِكُمْ وَإِمَامِهِمْ وَقُدْوَتِكُمْ وَقُدْوَتِهِمْ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
دَعُوا كُلَّ قَوْلٍ عِنْدَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ... فَمَا آمن فِي دِينِهِ كَمُخَاطِرِ
اللَّهُمَّ هَادِيَ الضَّالِّ، مُرْشِدَ التَّائِهِ، مُوَضَّحَ السَّبِيلِ، اهْدِنَا إِلَى الْحَقِّ، وَأَرْشِدْنَا إِلَى الصَّوَابِ، وَأَوْضِحْ لَنَا مَنْهَجِ الْهِدَايَةِ. قَوْلُهُ: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أي:
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ مَا أمروا إلا بعبادة الله وحده، أو ما أُمِرَ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ أَرْبَابًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ إِلَّا بِذَلِكَ، فَكَيْفَ يَصْلُحُونَ لِمَا أَهَّلُوهُمْ لَهُ مِنَ اتِّخَاذِهِمْ أَرْبَابًا؟ قَوْلُهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِقَوْلِهِ إِلَهًا سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ: تَنْزِيهًا لَهُ عَنِ الْإِشْرَاكِ فِي طاعته وعبادته. قوله:
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ هَذَا كَلَامٌ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ أَنْوَاعِ ضَلَالِهِمْ وَبُعْدِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَهُوَ مَا رَامُوهُ مِنْ إِبْطَالِ الْحَقِّ بِأَقَاوِيلِهِمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي هِيَ مُجَرَّدُ كَلِمَاتٍ سَاذَجَةٍ وَمُجَادَلَاتٍ زَائِفَةٍ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِحَالِهِمْ فِي مُحَاوَلَةِ إِبْطَالِ دِينِ الْحَقِّ وَنُبُوَّةِ نَبِيِّ الصِّدْقِ، بِحَالِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَنْفُخَ فِي نُورٍ عَظِيمٍ قَدْ أَنَارَتْ بِهِ الدُّنْيَا، وَانْقَشَعَتْ بِهِ الظُّلْمَةُ لِيُطْفِئَهُ وَيُذْهِبَ أَضْوَاءَهُ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ أَيْ: دِينَهُ الْقَوِيمَ، وَقَدْ قِيلَ: كَيْفَ دَخَلَتْ إِلَّا الِاسْتِثْنَائِيَّةُ عَلَى يَأْبَى؟ وَلَا يَجُوزُ كَرِهْتُ أَوْ بَغَضْتُ إِلَّا زَيْدًا. قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا دَخَلْتُ لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ طَرَفًا مِنَ الْجَحْدِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الْعَرَبَ تَحْذِفُ مَعَ «أَبَى» ، وَالتَّقْدِيرُ: وَيَأْبَى اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ: إِنَّمَا جَازَ هَذَا فِي «أَبَى» لِأَنَّهَا مَنْعٌ أَوِ امْتِنَاعٌ فَضَارَعَتِ النَّفْيَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَحْسَنُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَهَلْ لِي أُمٌّ غَيْرُهَا إِنْ تَرَكْتُهَا ... أَبَى اللَّهُ إِلَّا أن أكون لها ابنما
وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: إِنَّ «أَبَى» قَدْ أُجْرِيَ مَجْرَى لَمْ يُرِدْ أَيْ: وَلَا يُريدُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ. قَوْلُهُ:
وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةٍ قَبْلَهُ مُقَدَّرَةٍ، أَيْ: أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتَمَّ نُورَهُ وَلَوْ لَمْ يَكْرَهِ الْكَافِرُونَ ذَلِكَ وَلَوْ كَرِهُوا، ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى أَيْ: بِمَا يَهْدِي بِهِ النَّاسَ مِنَ الْبَرَاهِينِ وَالْمُعْجِزَاتِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ وَدِينِ الْحَقِّ وَهُوَ الْإِسْلَامُ لِيُظْهِرَهُ أَيْ: لِيُظْهِرَ

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 404
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست