responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 403
كَمَا فِي كَتَبْتُ بِيَدِي، وَمَشَيْتُ بِرِجْلِي، وَمِنْهُ قوله تعالى: يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ [1] . قوله: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [2] . وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلًا مَقْرُونًا بِذِكْرِ الْأَفْوَاهِ، وَالْأَلْسُنِ إِلَّا وَكَانَ قَوْلًا زُورًا كَقَوْلِهِ: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [3] ، وقوله: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ [4] ، وَقَوْلِهِ: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [5] . قوله: يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُضَاهَاةُ: الْمُشَابِهَةُ، قِيلَ: وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: امْرَأَةٌ ضَهْيَاءُ: وَهِيَ الَّتِي لَا تَحِيضُ لِأَنَّهَا شَابَهَتِ الرِّجَالَ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الفارسي: من قال: يضاهون مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمُ: امْرَأَةٌ ضَهْيَاءُ فَقَوْلُهُ خَطَأٌ، لِأَنَّ الْهَمْزَةَ فِي ضَاهَأَ أَصْلِيَّةٌ، وَفِي ضَهْيَاءَ زَائِدَةٌ كَحَمْرَاءَ، وَأَصْلُهُ: يُضَاهِئُونَ، وَامْرَأَةٌ ضَهْيَاءُ. وَمَعْنَى مُضَاهَاتِهِمْ لِقَوْلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِيهِ أَقْوَالٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ شَابَهُوا بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ عَبَدَةَ الأوثان في قولهم: اللات وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ بَنَاتُ اللَّهِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ شَابَهُوا قَوْلَ مَنْ يَقُولُ مِنَ الْكَافِرِينَ: إِنَّ الملائكة بنات الله، الثالث: أنهم شابهوا أسلافهم القائلين بأن عزيز ابْنُ اللَّهِ وَأَنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ. قَوْلُهُ: قاتَلَهُمُ اللَّهُ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ، لِأَنَّ مَنْ قَاتَلَهُ اللَّهُ هَلَكَ وَقِيلَ: هُوَ تَعَجُّبٌ مِنْ شَنَاعَةِ قَوْلِهِمْ وَقِيلَ: مَعْنَى قَاتَلَهُمُ اللَّهُ: لَعَنَهُمُ الله، ومنه قول أبان بن تغلب:
قَاتَلَهَا اللَّهُ تَلْحَانِي وَقَدْ عَلِمَتْ ... أَنِّي لِنَفْسِي إِفْسَادِي وَإِصْلَاحِي
وَحَكَى النِّقَاشُ أَنَّ أَصْلَ «قَاتَلَ اللَّهُ» : الدُّعَاءُ، ثُمَّ كَثُرَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ حَتَّى قَالُوهُ عَلَى التَّعَجُّبِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَهُمْ لَا يُرِيدُونَ الدُّعَاءَ، وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيُّ:
يَا قَاتَلَ اللَّهُ لَيْلَى كَيْفَ تُعْجِبُنِي ... وَأُخْبِرُ النَّاسَ أَنِّي لَا أُبَالِيهَا
أَنَّى يُؤْفَكُونَ أَيْ: كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ. قَوْلُهُ: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ الْأَحْبَارُ: جَمَعَ حَبْرٌ، وَهُوَ الَّذِي يُحْسِنُ الْقَوْلَ، وَمِنْهُ ثَوْبٌ مُحَبَّرٌ وَقِيلَ: جَمْعُ حِبْرٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ، قَالَ يُونُسُ: لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا بِكَسْرِ الْحَاءِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ لُغَتَانِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ:
الحبر بالكسر: المداد، وَالْحَبْرُ بِالْفَتْحِ الْعَالِمُ. وَالرُّهْبَانُ: جَمْعُ رَاهِبٍ، مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّهْبَةِ، وَهُمْ عُلَمَاءُ النَّصَارَى، كَمَا أَنَّ الْأَحْبَارَ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُمْ لَمَّا أَطَاعُوهُمْ فِيمَا يَأْمُرُونَهُمْ بِهِ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْهُ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْمُتَّخِذِينَ لَهُمْ أَرْبَابًا، لِأَنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ كَمَا تُطَاعُ الْأَرْبَابُ. قَوْلُهُ: وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ مَعْطُوفٌ عَلَى رُهْبَانَهُمْ، أَيِ: اتَّخَذَهُ النَّصَارَى رَبًّا مَعْبُودًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْيَهُودَ لَمْ يَتَّخِذُوا عزير رَبًّا مَعْبُودًا. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَزْجُرُ مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ عَنِ التَّقْلِيدِ فِي دِينِ اللَّهِ، وَتَأْثِيرُ مَا يَقُولُهُ الْأَسْلَافُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، فَإِنَّ طَاعَةَ الْمُتَمَذْهِبِ لِمَنْ يَقْتَدِي بِقَوْلِهِ وَيَسْتَنُّ بِسُنَّتِهِ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَقَامَتْ بِهِ حُجَجُ اللَّهِ وَبَرَاهِينُهُ، وَنَطَقَتْ بِهِ كُتُبُهُ وَأَنْبِيَاؤُهُ، هُوَ كَاتِّخَاذِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ، بَلْ أَطَاعُوهُمْ، وَحَرَّمُوا مَا حَرَّمُوا، وَحَلَّلُوا مَا حَلَّلُوا. وَهَذَا هُوَ صَنِيعُ الْمُقَلِّدِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ من شبه البيضة بالبيضة،

[1] البقرة: 79.
[2] الأنعام: 38.
[3] آل عمران: 167.
[4] الكهف: 5. [.....]
[5] الفتح: 11.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 403
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست