نام کتاب : صفوة التفاسير نویسنده : الصابوني، محمد علي جلد : 3 صفحه : 312
أتبعنا بعدهم برسلنا الكرام، أرسلناهم رسولاً بعد رسول، موسى، وإِلياس، وداود، وسليمان، ويونس وغيرهم {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابن مَرْيَمَ} أي وجعلناه بعد أولئك الرسل لأن كان آخر الأنبياء من بني إِسرائيل {وَآتَيْنَاهُ الإنجيل} أي وأنزلنا عليه الإِنجيل الذي فيه البشارة بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذين اتبعوه رَأْفَةً وَرَحْمَةً} أي وجعلنا في قلوب أتباعه الحواريين الشفقة واللين قال في التسهيل: هذا ثناء من اله عليهم بمحبة بعضهم في بعض كما وصف تعالى أصحاب سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأنهم
{رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] {وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} أي ورهبانيةً ابتدعها القسسُ والرهبان وأحدثوها من تلقاء أنفسهم، ما فرضناها عليهم ولا أمرناهم بها قال أبو حيان: والرهبانيةُ رفضُ النساء وشهوات الدنيا، واتخاذ الصوامع ومعنى {ابتدعوها} أي أحدثوها من عند أنفسهم {إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله} أي ما أمرناهم إِلا بما يرضي الله، والاستثناء منقطع والمعنى ما كتبان عليهم الرهبانية، ولكنه فعلوها من تلقاء أنفسهم ابتغاء رضوان الله {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} أي فما قاموا بها حقَّ القيام، ولا حافظوا عليها كما ينبغي قال ابن كثير: وهذا ذمٌ لهم من وجهين: أحدهما: الابتداع في دين الله ما لم يأمر به اللهُ والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة تقربهم إِلى الله عَزَّ وَجَلَّ، وفي الحديث «لكل أمة رهبانية، ورهبانةي أمتي الجهاد في سبيل الله» {فَآتَيْنَا الذين آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} أي فأعطينا الصالحين من أتباع عيسى الذين ثبتوا على العهد وآمنوا بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثوابهم مضاعفاً {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} أي وكثير من النصارى خارجون عن حدود الطاعة منتهكون لمحارم الله كقوله تعالى {إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأحبار والرهبان لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الناس بالباطل وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} [التوبة: 34] {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ} أي يا من صدقتم بالله اتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ودوموا واثبتوا على الإِيمان {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} أي يعطكم ضعفين من رحمته {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} أي ويجعل لكم في الآخرة نوراً تمشون به على الصراط {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} أي ويغفر لكم ما أسلفتم من المعاصي {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي عظيم المغفرة واسع الرحمة {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب أَلاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّن فَضْلِ الله} أي إنما بالغنا في هذا البيان ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على تخصيص فضل الله بهم، ولا يمكنهم حصر الرسالة والنبوة فيهم، فلا في قوله {لِّئَلاَّ} زائدة والمعنى ليعلم المفسرون: إن أهل الكتاب كانوا يقولون الوحي والرسالة فينا، والكتابُ والشرع ليس إِلا لنا، والله خصنا بهذه الفضيلة العظيمة من بين جميع العالمين، فردَّ الله عليهم بهذه الآية الكريمة {وَأَنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ} أي وأن أمر النبوة والهداية والإِيمان بيد الرحمن يعطيه لمن يشاء من خلقه {والله ذُو الفضل العظيم} أي والله واسع الفضل والإِحسان.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
1 -
نام کتاب : صفوة التفاسير نویسنده : الصابوني، محمد علي جلد : 3 صفحه : 312