responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 438
فِيمَا كَانُوا يَرَوْنَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ تَخْيِيلٌ بَاطِلٌ مِنْ ذَلِكَ سِحْرُ الْجِنِّ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ تَتَشَكَّلُ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي إِثْبَاتُ الْغُولِ، وَقَدِ اشْتُهِرَ أَنَّ الْغُولَ اسْمٌ لَيْسَ لَهُ مُسَمًّى فِي الْحَقِيقَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي قَوْلِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
فَمَا تَدُومُ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا ... كَمَا تَلَوَّنُ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ
مِنْ شَرْحِهِ لِقَصِيدَتِهِ (بَانَتْ سُعَادُ) وَالْغُولُ بِالضَّمِّ كُلُّ شَيْءٍ اغْتَالَ الْإِنْسَانَ فَأَهْلَكَهُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْوَاحِدَةُ مِنَ السَّعَالِي وَهِيَ إِنَاثُ الشَّيَاطِينِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا - فِيمَا زَعَمُوا - تَغْتَالُهُمْ، أَوْ لِأَنَّهَا تَتَلَوَّنُ كُلَّ وَقْتٍ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: تَغَوَّلْتُ عَلَى الْبِلَادِ - إِذَا اخْتَلَفْتُ. وَلِلْعَرَبِ أُمُورٌ تَزْعُمُهَا لَا حَقِيقَةَ لَهَا، مِنْهَا أَنَّ الْغُولَ تَتَرَاءَى وَتَتَلَوَّنُ لَهُمْ، وَتُضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ. وَذَكَرَ أَشْيَاءً أُخْرَى مِنْ خُرَافَاتِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ مُسْلِمٍ فِي نَفْيِ الْغُولِ وَالطِّيَرَةِ، وَقَوْلَ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ:
الْجُودُ وَالْغُولُ وَالْعَنْقَاءُ ثَالِثَةٌ ... أَسْمَاءُ أَشْيَاءَ لَمْ تُخْلَقْ وَلَمْ تَكُنِ.
وَمَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ هِشَامٍ الْغُولَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمَشْهُورُ، قَالَ فِي اللِّسَانِ: وَالسِّعْلَاةُ وَالسِّعْلَاءُ - الْغُولُ. وَقِيلَ: هِيَ سَاحِرَةُ الْجِنِّ، فَجَعَلَ هَذَا قَوْلًا ضَعِيفًا ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ مِثْلَهُ. أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا أَخْبَثُ الْغِيلَانِ، وَثَانِيهِمَا: أَنَّهَا أُنْثَى الْغِيلَانِ. وَيُشَبِّهُونَ الْمَرْأَةَ الْقَبِيحَةَ الْوَجْهِ السَّيِّئَةَ الْخُلُقِ بِالسِّعْلَاةِ، وَشَبَّهُوا بِهَا الْخَيْلَ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ الْخَوْفُ فِي الْبَرَارِي الْمُنْقَطِعَةِ شَيْئًا يَتَلَوَّنُ فِيهِمْ عَلَى وَجْهِهِ خَوْفًا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مِنَ الْجِنِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ رَأَى بَعْضَ الْقِرَدَةِ الرَّاقِيَةِ الَّتِي تُشْبِهُ الْعَجُوزَ الْقَبِيحَةَ الْوَجْهِ فَسَمُّوهَا السِّعْلَاةَ، وَأَنْ تَكُونَ السِّعْلَاةُ الَّتِي أَكَلَتْ مِنَ التَّمْرِ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مِنْهَا - إِنْ صَحَّ مَا رُوِيَ وَكَانَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ - وَإِلَّا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا تَوَارَثَهُ قَبْلَ نَفْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ أَوْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَذَا النَّفْيِ. وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي الشَّيْطَانِ: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ
هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) (7: 27) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرَ الْجِنَّ حِينَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ مِنْهُ، بَلْ عَلِمَ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) (72: 1) وَلَكِنْ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - وَكَانَ مَعَهُ - أَنَّهُ رَأَى أَسْوِدَةً تُشْبِهُ السَّحَابَ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الرَّبِيعِ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ أَبْطَلْنَا شَهَادَتُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا. انْتَهَى. وَقَدْ حَمَلُوهُ كَمَا حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى مَنْ يَدَّعِي رُؤْيَتَهُمْ بِصُورَتِهِمُ الَّتِي خَلَقَهُمُ اللهُ عَلَيْهَا دُونَ الصُّوَرِ الَّتِي يَتَمَثَّلُونَ بِهَا.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 438
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست