responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 400
الْجَاثِيَةِ: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) (45: 21) - الْآيَةَ - وَلَمْ يُذْكَرِ الْجَرْحُ وَالِاجْتِرَاحُ
فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ. وَقَدْ يَكُونُ التَّخْصِيصُ بِعَمَلِ السَّيِّئَاتِ لِصِيغَةِ الِافْتِعَالِ كَمَا وَرَدَ كَثِيرًا فِي الِاكْتِسَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) وَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِي ذَلِكَ، فَكُلٌّ مِنَ الْكَسْبِ وَالِاكْتِسَابِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ) يَعْلَمُ جَمِيعَ عَمَلِكُمْ وَكَسْبِكُمْ فِي وَقْتِ الْيَقَظَةِ الَّذِي يَكُونُ مُعْظَمُهُ فِي النَّهَارِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، قِيلَ: إِنَّ الْمَاضِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ: وَيَعْلَمُ مَا تَجْرَحُونَهُ فِي النَّهَارِ الَّذِي يَلِي اللَّيْلَ، عَبَّرَ بِهِ لِتُحَقِّقِ وُقُوعِهِ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ عَلَى أَصْلِهِ وَيُرَادُ بِهِ النَّهَارُ السَّابِقُ عَلَى اللَّيْلِ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ فِيهِ، أَوِ الْمُرَادُ يَتَوَفَّاكُمْ فِي جِنْسِ اللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ فِي جِنْسِ النَّهَارِ.
(ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) أَيْ: ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ تَوَفِّيكُمْ بِالنَّوْمِ يُثِيرُكُمْ وَيُرْسِلُكُمْ مِنْهُ فِي النَّهَارِ، فَالْبَعْثُ - كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ - إِثَارَةُ الشَّيْءِ وَتَوْجِيهُهُ، يُقَالُ بَعَثْتُ الْبَعِيرَ أَيْ أَثَرْتُهُ مِنْ بَرْكِهِ وَسِيرَتِهِ. فَإِطْلَاقُ الْبَعْثِ عَلَى الْإِيقَاظِ مِنَ النَّوْمِ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ، وَمَنْ جَعَلَهُ مَجَازًا نَظَرَ إِلَى الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنْ قِيلَ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ بِالنَّهَارِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ فِيهِ، فَمَا نُكْتَةُ هَذَا التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْآيَةِ؟ قُلْتُ: الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّ تَأْخِيرَ ذِكْرِ الْبَعْثِ لِأَجْلِ أَنْ تَتَّصِلَ بِهِ عِلَّتُهُ الْمَقْصُودَةُ بِالذِّكْرِ فِي هَذَا السِّيَاقِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى) إِلَخْ أَنْ يُوقِظَكُمْ وَيُرْسِلَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ لِأَجْلِ أَنْ يُقْضَى وَيَنْفُذَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى فِي عِلْمِهِ تَعَالَى لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْكُمْ، فَإِنَّ لِأَعْمَارِكُمْ آجَالًا مَقْدِرَةً مَكْتُوبَةً لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَإِتْمَامِهَا (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) ثُمَّ إِلَيْهِ وَحْدَهُ يَكُونُ رُجُوعُكُمْ إِذَا انْتَهَتْ آجَالُكُمْ وَمُتُّمْ (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إِذْ يَبْعَثُكُمْ مِنْ مَرَاقِدِ الْمَوْتِ كَمَا كَانَ يَبْعَثُكُمْ مِنْ مَضَاجِعِ النَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا فَيُذَكِّرُكُمْ بِهَا، وَيُحَاسِبُكُمْ عَلَيْهَا، وَيَجْزِيكُمْ بِهَا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْبَعْثِ مِنْ تَوَفِّي النَّوْمِ قَادِرٌ عَلَى الْبَعْثِ مِنْ تَوَفِّي الْمَوْتِ.
وَقَدْ خَالَفَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْجُمْهُورَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، فَجَعَلَهَا خِطَابًا لِلْكُفَّارِ خَاصَّةً، إِذْ جَعَلَ الْجُرْحَ خَاصًّا بِعَمَلِ السُّوءِ، وَجَعَلَ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِ تَوَفِّيهِمْ فِي اللَّيْلِ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مُنْسَدِحِينَ فِيهِ كَالْجِيَفِ، وَمِنَ الْجُرْحِ بِالنَّهَارِ: عَمَلُ الْآثَامِ فِيهِ. وَجَعَلَ الْبَعْثَ عَلَى مَعْنَاهُ
الشَّرْعِيِّ، وَ " فِي " لِلتَّعْلِيلِ أَوِ الشَّأْنِ كَحَدِيثِ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ. وَقَالَ فِي بَيَانِ هَذَا: ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ مِنَ الْقُبُورِ فِي شَأْنِ ذَلِكَ الَّذِي قَطَعْتُمْ بِهِ أَعْمَارَكُمْ مِنَ النَّوْمِ بِاللَّيْلِ وَكَسْبِ الْآثَامِ بِالنَّهَارِ وَمِنْ أَجْلِهِ، كَقَوْلِكَ:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 400
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست