responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 399
وَهُوَ إِعْطَاءُ الشَّيْءِ تَامًّا كَامِلًا، يُقَالُ وَفَّاهُ حَقَّهُ فَتَوَفَّاهُ مِنْهُ وَاسْتَوْفَاهُ، وَمِنْهُ (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ 24: 39) وَيُقَالُ تَوَفَّاهُ وَاسْتَوْفَاهُ بِمَعْنَى أَحْصَى عَدَدَهُ، نَطَقَتِ الْعَرَبُ بِالْمَعْنَيَيْنِ، وَأُطْلِقَ التَّوَفِّي عَلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ تُقْبَضُ وَتُؤْخَذُ أَخْذًا تَامًّا حَتَّى لَا يَبْقَى لَهَا تَصَرُّفٌ فِي الْأَبْدَانِ، وَأُطْلِقَ عَلَى النَّوْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي آيَةِ الزُّمَرِ الَّتِي نَذْكُرُهَا قَرِيبًا، فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّهُ إِطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى تَشْبِيهِ النَّوْمِ بِالْمَوْتِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُشَارَكَةِ فِي زَوَالِ إِحْسَاسِ الْحَوَاسِّ وَالتَّمْيِيزِ، وَإِنَّمَا جَعَلُوهُ اسْتِعَارَةً عَنِ النَّوْمِ بِنَاءً عَلَى جَعْلِهِ حَقِيقَةً فِي الْمَوْتِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ لَا فِي أَصْلِ اللُّغَةِ؛ يَقُولُونَ تُوُفِّيَ فُلَانٌ - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - بِمَعْنَى مَاتَ، وَتَوَفَّاهُ اللهُ بِمَعْنَى أَمَاتَهُ، وَمَا أَعْلَمُ أَنَّ الْعَرَبَ اسْتَعْمَلَتِ التَّوَفِّي فِي الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِعْمَالٌ إِسْلَامِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَوْتِ، يَحْصُلُ
بِقَبْضِ الْأَنْفُسِ الَّتِي تَحْيَا بِهَا النَّاسُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الزُّمَرِ: (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 39: 42) فَهَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي كَوْنِ التَّوَفِّي أَعَمَّ مِنَ الْمَوْتِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادِفًا لَهُ، فَقَدْ صَرَّحَتْ بِأَنَّ الْأَنْفُسَ الَّتِي تُتَوَفَّى فِي مَنَامِهَا غَيْرُ مَيِّتَةٍ.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: (يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) مَعْنَاهُ يَتَوَفَّى أَنْفُسَكُمْ فِي حَالَةِ نَوْمِكُمْ بِاللَّيْلِ، وَمِثْلُهُ النَّوْمُ فِي النَّهَارِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْفِطْرَةِ وَالْغَالِبَ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ فِيهِ، فَلَا يُعْتَدُّ بِمَا يَقَعُ مِنْهُ فِي النَّهَارِ. أُطْلِقَ التَّوَفِّي فِي الْمَنَامِ عَلَى إِزَالَةِ الْإِحْسَاسِ وَالْمَنْعِ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَنْفُسِ فِي الْأَبْدَانِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ فَلَاسِفَةِ الْغَرْبِ الْمُتَأَخِّرِينَ يَرَى أَنَّ لِلْإِنْسَانِ نَفْسَيْنِ، تُفَارِقُهُ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ النَّوْمِ، وَتُفَارِقُهُ كِلْتَاهُمَا بِالْمَوْتِ، فَإِذَا صَحَّ هَذَا يَكُونُ التَّوَفِّي حَقِيقَةً فِي الْمَنَامِ وَفِي الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَحْصُلُ بِقْبِضٍ غَيْرِ تَامٍّ لِأَحَدِ النَّفْسَيْنِ، وَالثَّانِي بِقَبْضٍ تَامٍّ لِكِلْتَيْهِمَا، وَهُوَ يُوَافِقُ ظَاهِرَ آيَةِ الزُّمَرِ.
ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ) الْجَرْحُ: يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ بِالْجَوَارِحِ وَهِيَ الْأَعْضَاءُ الْعَامِلَةُ، وَبِمَعْنَى التَّأْثِيرِ الدَّامِي مِنَ السِّلَاحِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْبَرَاثِنِ وَالْأَظْفَارِ وَالْأَنْيَابِ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ. قِيلَ: إِنَّ هَذَا الْأَخِيرَ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَالْأَوَّلُ مَجَازٌ، وَإِنَّ عَوَامِلَ الْإِنْسَانِ مَا سُمِّيَتْ جَوَارِحَ إِلَّا تَشْبِيهًا لَهَا بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ، وَإِنَّ هَذِهِ مَا سُمِّيَتْ جَوَارِحَ إِلَّا لِأَنَّهَا تَجْرَحُ مَا تَصِيدُهُ وَمَا تَفْتَرِسُهُ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْجُرْحَ حَقِيقَةً فِي الْكَسْبِ، وَأَنَّ جَوَارِحَ الصَّيْدِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَسْبِهَا لِنَفْسِهَا أَوْ لِمُعَلِّمِهَا الَّذِي يَصِيدُ بِهَا، وَأَنَّ الْخَيْلَ وَالْأَنْعَامَ الْمُنْتِجَةَ تُسَمَّى جَوَارِحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نِتَاجَهَا كَسْبُهَا، فَالْجُرْحُ كَالْكَسْبِ، يُطْلَقُ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنْهُ. نَقَلَ ذَلِكَ اللِّسَانُ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّهُ فِعْلُ الشَّرِّ، وَبِذَلِكَ فَسَّرَ الْآيَةَ فِي الْكَشَّافِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ الِاجْتِرَاحُ بِمَعْنَى فِعْلِ الشَّرِّ خَاصَّةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 399
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست