responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 394
وَالْفَرْقُ بَيْنَ نِسْبَةِ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ إِلَى الرَّسُولِ هُنَا، وَنِسْبَةِ إِنْزَالِهِ إِلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ (عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمُ الْقُرْآنُ) هُوَ أَنَّ خِطَابَهُمْ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ إِلَيْهِمْ، يُرَادُ بِهِ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهِ، وَمَدْعُوُّونَ إِلَيْهِ، وَمِثْلُهُ: (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) (2: 136) وَأَمَّا إِسْنَادُ إِنْزَالِهِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ فَقَطْ، بَلْ يُشْعِرُ مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ إِنْزَالَهُ إِلَيْهِ سَبَبٌ لِطُغْيَانِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكْفُرُوا بِهِ لِأَجْلِ إِنْكَارِهِمْ لِعَقَائِدِهِ وَآدَابِهِ وَشَرَائِعِهِ أَوِ اسْتِقْبَاحِهِمْ، بَلْ لِعَدَاوَةِ الرَّسُولِ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَعَدَاوَةِ قَوْمِهِ الْعَرَبِ. وَقِيلَ إِنَّهُ يُفِيدُ بَرَاءَتَهُمْ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُمْ فِيهِ.
(فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) أَيْ فَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ تَمَكَّنَ الْكُفْرُ مِنْهُمْ، وَصَارَ وَصْفًا لَازِمًا لَهُمْ، وَهَذِهِ نُكْتَةُ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ، وَحَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنْ مُؤْمِنِي قَوْمِكَ وَمِنْهُمْ ; كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ. قَالَ الرَّاغِبُ: الْأَسَى: الْحُزْنُ، وَأَصْلُهُ إِتْبَاعُ الْفَائِتِ بِالْغَمِّ.
وَالْعِبْرَةُ لِلْمُسْلِمِ فِي الْآيَةِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَكُونُونَ عَلَى شَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ حَتَّى يُقِيمُوا الْقُرْآنَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ فِيهِ، وَيَهْتَدُوا بِهِدَايَتِهِ ; فَحُجَّةُ اللهِ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِهِ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَنَا تِلْكَ التَّقَالِيدَ الَّتِي صَدَّتْهُمْ عَمَّا عِنْدَهُمْ مِنْ وَحْيِ اللهِ تَعَالَى عَلَى مَا كَانَ قَدْ طَرَأَ عَلَيْهِ مِنَ التَّحْرِيفِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَأَلَّا يَقْبَلَ مِنَّا مِثْلَ ذَلِكَ مَعَ حِفْظِهِ لِكِتَابِنَا أَوْلَى. وَالنَّاسُ عَنْ هَذَا غَافِلُونَ، وَبِالِانْتِسَابِ إِلَى الْمَذَاهِبِ رَاضُونَ، وَبِهَدْيِ أَئِمَّتِهَا لَا يَقْتَدُونَ، وَإِلَى حِكْمَةِ الدِّينِ وَمَقَاصِدِهِ لَا يَنْظُرُونَ (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (58: 18) وَلَمَّا كَانَ الِانْتِسَابُ إِلَى الدِّينِ لَا يُفِيدُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِإِقَامَةِ كِتَابِ الدِّينِ، بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ تِلْكَ الْحُجَّةِ، أُصُولَ الدِّينِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ إِقَامَةِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ كُلِّهَا، الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْجَزَاءُ وَالثَّوَابُ، فَقَالَ:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) مُنَاسَبَةُ وَضْعِ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَا لِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا بَيَانُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَمْ يُقِيمُوا دِينَ اللهِ، وَمَا كَلَّفَهُمُ اللهُ إِيَّاهُ، لَا وَسَائِلَهُ وَلَا مَقَاصِدَهُ، فَلَا هُمْ حَفِظُوا نُصُوصَ الْكُتُبِ كُلَّهَا، وَلَا هُمْ تَرَكُوا مَا عِنْدَهُمْ
مِنْهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا، وَلَا هُمْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُهُمِ الصَّالِحُ، وَلَا هُمْ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، كَمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، اللهُمَّ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ كَانَ مَخْبُوءًا فِي طَيَّاتِ الزَّمَانِ، أَوْ شِعَافِ الْجِبَالِ وَزَوَايَا الْبُلْدَانِ، كَانُوا يُعَذَّبُونَ عَلَى تَوْحِيدِ اللهِ، وَيُرْمَوْنَ بِالزَّنْدَقَةِ أَوِ الْهَرْطَقَةِ لِرَفْضِهِمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 394
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست