responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 363
فَهَؤُلَاءِ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ أَحَدٌ. وَأَبُو بَكْرٍ هُوَ الَّذِي قَاتَلَ جَمَاهِيرَ الْمُرْتَدِّينَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. فَهُمُ الَّذِينَ تَصْدُقُ عَلَيْهِمْ صِفَاتُ الْآيَةِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ.
وَصَفَ اللهُ هَؤُلَاءِ الْكَمَلَةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِسِتِّ صِفَاتٍ: (الصِّفَةُ الْأُولَى) : أَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّهُمْ ; فَالْحُبُّ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي أُسْنِدَتْ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَهُوَ تَعَالَى يُحِبُّ وَيُبْغِضُ كَمَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ، وَلَا يُشْبِهُ حُبُّهُ حُبَّ الْبَشَرِ ; لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْبَشَرَ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (42: 11) وَكَذَلِكَ عِلْمُهُ لَا يُشْبِهُ عِلْمَ الْبَشَرِ، وَلَا قُدْرَتُهُ تُشْبِهُ قُدْرَتَهُمْ، وَلَا نَتَأَوَّلُ حُبَّهُ بِالْإِثَابَةِ وَحُسْنِ الْجَزَاءِ، كَمَا تَأَوَّلَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ فِرَارًا مِنَ التَّشْبِيهِ إِلَى التَّنْزِيهِ ; إِذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَتَنْزِيهِ الذَّاتِ، وَإِلَّا لَاحْتَجْنَا إِلَى تَأْوِيلِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، وَهُمْ لَا يَتَأَوَّلُونَهَا، وَلَا يُخْرِجُونَ مَعَانِيَهَا عَنْ ظَوَاهِرِ أَلْفَاظِهَا ; فَمَحَبَّتُهُ تَعَالَى لِمُسْتَحِقِّيهَا مِنْ عِبَادِهِ شَأْنٌ مِنْ شُئُونِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ، لَا نَبْحَثُ
عَنْ كُنْهِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا، وَحُسْنُ الْجَزَاءِ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالْإِثَابَةِ قَدْ يَكُونُ مِنْ آثَارِهَا، قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبَعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (3: 31) فَجَعَلَ اتِّبَاعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبًا لِمَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى لِلْمُتَّبِعِينَ وَلِلْمَغْفِرَةِ. فَكُلٌّ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ جَزَاءٌ مُسْتَقِلٌّ ; إِذِ الْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ.
(الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللهَ تَعَالَى، وَحُبُّ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ لِلَّهِ تَعَالَى ثَبَتَ فِي آيَاتٍ غَيْرِ هَذِهِ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (2: 165) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (9: 24) .
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَرْفُوعِ فِي الصَّحِيحَيْنِ " ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ " وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا " جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحَهَمْ بِذَلِكَ ".
وَقَدْ تَأَوَّلَ هَذَا الْحُبَّ بَعْضُ النَّاسِ أَيْضًا ; قَالُوا: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الطَّاعَةِ ; إِذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُحِبَّ الْإِنْسَانُ إِلَّا مَا يُجَانِسُهُ، وَيَرُدُّ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ 6 364)

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 363
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست