responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 316
النَّهْيُ عَنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ فِي الْغَزْوِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ. وَأَمَّا التَّوْبَةُ فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ حُكْمَهَا فِي قَوْلِهِ: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنِ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أَيْ فَمَنْ تَابَ مِنَ السُّرَّاقِ وَرَجَعَ عَنِ السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَعَاصِي رُجُوعَ نَدَمٍ وَعَزْمٍ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ، مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ لِنَفْسِهِ بِامْتِهَانِهَا وَسَفَهِهَا، وَلِلنَّاسِ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَأَصْلَحَ نَفْسَهُ وَزَكَّاهَا بِالصَّدَقَةِ الْمُضَادَّةِ لِلسَّرِقَةِ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ - فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ بِالرِّضَاءِ وَالْإِثَابَةِ، وَيَغْفِرُ لَهُ وَيَرْحَمُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى اسْمِهِ الْغَفُورِ وَاسْمِهِ الرَّحِيمِ.
وَهَلْ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنِ التَّائِبِ؟ قَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: بَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَإِذَا قِيسَتِ السَّرِقَةُ عَلَى الْحَرَابَةِ وَالْإِفْسَادِ فَالْقَوْلُ بِسُقُوطِ الْحَدِّ ظَاهِرٌ إِنْ تَابَ قَبْلَ رَفْعِ أَمْرِهِ إِلَى الْحَاكِمِ، وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، بَلْ لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ إِلَّا بِإِعَادَةِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ إِنْ بَقِيَ، وَإِلَّا دَفَعَ قِيمَتَهُ إِنْ قَدَرَ، وَلَا يَظْهَرُ لَنَا وَجْهٌ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ عَدَمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِّ وَغَرَامَةِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ ; فَإِنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللهِ تَعَالَى لِمَصْلَحَةِ عِبَادِهِ عَامَّةً، وَالْمَالَ حَقُّ مَنْ سُرِقَ مِنْهُ خَاصَّةً.
(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) جَعَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ذَيْلًا لِهَذَا السِّيَاقِ بَيَّنَ فِيهِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَ الْقُلُوبَ بَعْدَ تِلْكَ الْعِبَرِ وَالْأَحْكَامِ، فَقَالَ مَا حَاصِلُ الْمُرَادِ مِنْهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَيُّهَا السَّامِعُ لِهَذَا الْخِطَابِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فِيهِمَا بِالْحِكْمَةِ وَالْعَدْلِ، وَالرَّحْمَةِ وَالْفَضْلِ، فَكَانَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ اسْمِهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ أَنْ وَضَعَ هَذَا الْعِقَابَ لِكُلِّ مَنْ يَسْرِقُ مَا يُعَدُّ بِهِ سَارِقًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، كَمَا وَضَعَ ذَلِكَ الْعِقَابَ لِلْمُحَارِبِينَ الْمُفْسِدِينَ، وَمِنْ مُقْتَضَى اسْمِهِ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ أَنْ يَغْفِرَ لِمَنْ تَابَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَيَرْحَمَهُ إِذَا صَدَقَ فِي التَّوْبَةِ وَأَصْلَحَ عَمَلَهُ ; فَهُوَ بِمُقْتَضَى أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ تَعْذِيبَهُ مِنَ الْجُنَاةِ؛ تَرْبِيَةً لَهُ وَتَأْمِينًا لِعِبَادِهِ مِنْ شَرِّهِ، وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ مِنَ التَّائِبِينَ وَالْمُصْلِحِينَ بِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ؛ تَرْغِيبًا لِعِبَادِهِ فِي تَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهُمْ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنَ التَّعْذِيبِ وَالرَّحْمَةِ قَدِيرٌ، لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي تَدْبِيرِ مُلْكِهِ.
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ أَوْ يَقْرَؤُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوَجَّهًا إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِيهِ لِلتَّقْرِيرِ ; أَيْ إِنَّكَ تَعْلَمُ هَذَا فَتَذَكَّرْهُ،
وَذَكِّرْ بِهِ. وَجَعَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ لِأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْمَدِينَةِ وَجِوَارِهَا، وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِمُ الَّذِينَ قَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ; لِأَنَّ السِّيَاقَ الَّذِي انْتَهَى بِبَيَانِ حَدِّ السَّرِقَةِ كَانَ فِي مُحَاجَّتِهِمْ، وَمِنْهَا إِبْطَالُ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، بِأَنَّهُمْ بَشَرٌ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الْعِبَادِ، وَمَالِكُهُمِ الْمُتَصَرِّفُ فِي أَمْرِهِمْ بِالْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ، يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 316
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست