responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 23
أَنْ نَقُولَ: إِنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِهَا أَحَدٌ قَطُّ ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ تَصْدِيقُ
الْعَقْلِ وَجَزْمُهُ بِالشَّيْءِ، وَالْعَقْلُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُدْرِكَ ذَلِكَ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ بِهَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ؛ تَقْلِيدًا لِمَنْ لَقَّنَهُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ سَمَّيْنَا مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ إِيمَانًا، نَقُولُ: إِنَّ أَكْثَرَ الْبَشَرِ لَا يَقُولُونَهُ. بَلْ يَرُدُّونَهُ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُدُّهُ أَيْضًا بِالدَّلَائِلِ النَّقْلِيَّةِ، مِنْ دِينٍ ثَبَتَتْ أُصُولُهُ عِنْدَهُمْ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِمِثْلِهَا لِآلِهَةٍ أُخْرَى، فَإِذَا عَذَّبَهُمُ اللهُ - تَعَالَى - فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُدْخِلْهُمْ مَلَكُوتَهُ، كَمَا تَدَّعِي النَّصَارَى، لَا يَكُونُ رَحِيمًا عَلَى قَاعِدَةِ دُعَاةِ الصَّلْبِ وَالصَّلِيبِ، فَكَيْفَ جَمَعَ بِذَلِكَ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ؟ !
4 - يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ شَيْءٌ أَعْظَمُ مِنْ عَجْزِ الْخَالِقِ (تَعَالَى وَتَقَدَّسَ) عَنْ إِتْمَامِ مُرَادِهِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ عَدْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَهُوَ انْتِفَاءُ كُلٍّ مِنَ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ فِي صَلْبِ الْمَسِيحِ ; لِأَنَّهُ عَذَّبَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَشَرٌ، وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْنِبْ قَطُّ، فَتَعْذِيبُهُ بِالصَّلْبِ وَالطَّعْنِ بِالْحِرَابِ، عَلَى مَا زَعَمُوا، لَا يَصْدُرُ مِنْ عَادِلٍ، وَلَا مِنْ رَحِيمٍ بِالْأَحْرَى، فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ غَيْرَ عَادِلٍ وَلَا رَحِيمٍ؟ أَوْ أَنْ يَكُونَ عَادِلًا رَحِيمًا فَيَخْلُقُ خَلْقًا يُوقِعُهُ فِي وَرْطَةِ الْوُقُوعِ فِي انْتِفَاءِ إِحْدَى هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ، فَيُحَاوِلُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فَيَفْقِدُهُمَا مَعًا؟ !
5 - إِذَا كَانَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ بِهَذِهِ الْعَقِيدَةِ أَوِ الْقِصَّةِ يَنْجُو مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، كَيْفَمَا كَانَتْ أَخْلَاقُهُ وَأَعْمَالُهُ، لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَهْلُهَا إِبَاحِيِّينَ، وَأَنْ يَكُونَ الشِّرِّيرُ الْمُبْطِلُ الَّذِي يَعْتَدِي عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَيُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ، وَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، مِنْ أَهْلِ الْمَلَكُوتِ الْأَعْلَى، لَا يُعَذَّبُ عَلَى شُرُورِهِ وَخَطِيئَاتِهِ، وَلَا يُجَازَى عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ هَوَاهُ، وَهُوَ آمِنٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَنَاهِيكَ بِهَذَا مُفْسِدًا لِلْبَشَرِ، وَإِذَا كَانَ يُعَذَّبُ عَلَى شُرُورِهِ وَخَطِيئَاتِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الصَّلِيبِيِّينَ، فَمَا هِيَ مَزِيَّةُ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ امْتِيَازٌ عِنْدَ اللهِ - تَعَالَى - فِي نَفْسِ الْجَزَاءِ، فَأَيْنَ الْعَدْلُ الْإِلَهِيُّ؟
6 - مَا رَأَيْنَا أَحَدًا مِنَ الْعُقَلَاءِ وَلَا مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرَائِعِ وَالْقَوَانِينِ، يَقُولُ: إِنَّ عَفْوَ الْإِنْسَانِ عَمَّنْ يُذْنِبُ إِلَيْهِ، أَوْ عَفْوَ السَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ الَّذِي يَعْصِيهِ - يُنَافِي الْعَدْلَ وَالْكَمَالَ، بَلْ يَعُدُّونَ الْعَفْوَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَضَائِلِ، وَنَرَى الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ مِنَ الْأُمَمِ
الْمُخْتَلِفَةِ، يَصِفُونَهُ بِالْعَفُوِّ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ أَهْلٌ لِلْمَغْفِرَةِ، فَدَعْوَى الصَّلِيبِيِّينَ أَنَّ الْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ مِمَّا يُنَافِي الْعَدْلَ مَرْدُودَةٌ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 23
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست