responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 22
الْمَدْرَسَةِ، فَلَمَّا كَثُرَ الْجَمْعُ قَامَ أَحَدُ دُعَاةِ النَّصْرَانِيَّةِ فَأَلْقَى نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا مِنَ الْعَقِيدَةِ الصَّلِيبِيَّةِ، وَبَعْدَ فَرَاغِهِ وَحَثِّهِ النَّاسَ عَلَى الْأَخْذِ بِمَا قَالَهُ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَدَعَوَاهُ أَنْ لَا خَلَاصَ لَهُمْ بِدُونِهِ، قُمْتُ فَقُلْتُ: إِذَا كُنْتُمْ قَدْ دَعَوْتُمُونَا إِلَى هَذَا الْمَكَانِ لِتُبَلِّغُونَا الدَّعْوَةَ شَفَقَةً عَلَيْنَا وَرَحْمَةً بِنَا، فَأْذَنُوا لِي أَنْ أُبَيِّنَ لَكُمْ مَوْقِعَهَا مِنْ نَفْسِي. فَأَذِنَ لِي الْقَسُّ بِالْكَلَامِ فَوَقَفْتُ فِي مَوْقِفِ الْخَطَابَةِ، وَأَوْرَدْتُ عَلَيْهِمْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَةِ مِنَ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ وَالْقَضَايَا الْمُتَنَاقِضَةِ، الَّتِي سَأُبَيِّنُهَا هُنَا، وَطَلَبْتُ الْجَوَابَ عَنْهَا. فَكَانَ الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ خَاصٌّ بِالْوَعْظِ وَالْكِرَازَةِ دُونَ الْجِدَالِ، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْجِدَالَ وَالْمُنَاظَرَةَ فَمَوْضِعُهَا الْمَكْتَبَةُ الْإِنْكِلِيزِيَّةُ،
فَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ الْحَاضِرُونَ هَذَا الْجَوَابَ صَاحُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. وَانْصَرَفُوا. أَمَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَدُونَكَهُ بِالِاخْتِصَارِ:
(مَا يَرِدُ عَلَى عَقِيدَةِ الصَّلْبِ) (1) لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْبَلَ هَذِهِ الْقِصَّةَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا، وَفِي كُلِّ صُنْعِهِ حَكِيمًا ; لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ الْجَهْلَ وَالْبَدَاءَ عَلَى الْبَارِئِ، عَزَّ وَجَلَّ، كَأَنَّهُ حِينَ خَلَقَ آدَمَ مَا كَانَ يَعْلَمُ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، وَحِينَ عَصَى مَا كَانَ يَعْلَمُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَدْلُ وَالرَّحْمَةُ فِي شَأْنِهِ حَتَّى اهْتَدَى إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ أُلُوفٍ مِنَ السِّنِينَ مَرَّتْ عَلَى خَلْقِهِ، كَانَ فِيهَا جَاهِلًا كَيْفَ يَجْمَعُ بَيْنَ تَيْنَكِ الصِّفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِهِ، وَوَاقِعًا فِي وَرْطَةِ التَّنَاقُضِ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ قَدْ يَقْبَلُهَا مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الدِّينِ عِنْدَهُمْ أَلَّا يَتَّفِقَ مَعَ الْعَقْلِ، وَأَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُهُ بِكُلِّ مَا يُسْنَدُ إِلَى مَنْ نُسِبَ إِلَيْهِمْ عَمَلُ الْعَجَائِبِ، وَيَقُولُ: آمَنْتُ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ وَلَمْ تُذْعِنْ لَهُ نَفْسُهُ. وَمَنْ يَنْقُلُونَ فِي أَوَّلِ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِمُ الدِّينِيَّةِ (سِفْرِ التَّكْوِينِ) هَذِهِ الْجُمْلَةَ (6: 6 فَنَدِمَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الْإِنْسَانَ فِي الْأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ) تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عُلُوًّا كَبِيرًا.
2 - يَلْزَمُ مَنْ يَقْبَلُ هَذِهِ الْقِصَّةَ أَنْ يُسَلِّمَ مَا يُحِيلُهُ كُلُّ عَقْلٍ مُسْتَقِلٍّ، مِنْ أَنَّ خَالِقَ الْكَوْنِ يُمْكِنُ أَنْ يَحُلَّ فِي رَحِمِ امْرَأَةٍ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي نِسْبَتُهَا إِلَى سَائِرِ مُلْكِهِ أَقَلُّ مِنْ نِسْبَةِ الذَّرَّةِ إِلَيْهَا وَإِلَى سَمَوَاتِهَا الَّتِي تُرَى مِنْهَا، ثُمَّ يَكُونُ بَشَرًا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَتْعَبُ، وَيَعْتَرِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَعْتَرِي الْبَشَرَ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ أَعْدَاؤُهُ بِالْقَهْرِ وَالْإِهَانَةِ، فَيَصْلُبُوهُ مَعَ اللُّصُوصِ، وَيَجْعَلُوهُ مَلْعُونًا بِمُقْتَضَى حُكْمِ كِتَابِهِ لِبَعْضِ رُسُلِهِ (تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا) .
3 - تَقْتَضِي هَذِهِ الْقِصَّةُ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَدْ أَرَادَ شَيْئًا بَعْدَ التَّفَكُّرِ فِيهِ أُلُوفًا مِنَ السِّنِينَ، فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ، ذَلِكَ أَنَّ الْبَشَرَ لَمْ يَخْلُصُوا وَيَنْجُوا بِوُقُوعِ الصَّلْبِ مِنَ الْعَذَابِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ خَلَاصَهُمْ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، وَهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا، لَنَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 22
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست