responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 112
مُسْتَقْذَرًا عِنْدَ النَّاسِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا كَوْنُهُ ضَارًّا ; فَلِأَنَّهُ عَسِرُ الْهَضْمِ جِدًّا وَيَحْمِلُ كَثِيرًا مِنَ الْمَوَادِّ الْعَفِنَةِ الْمَيِّتَةِ الَّتِي تَنْحَلُّ مِنَ الْجِسْمِ، وَهِيَ فَضَلَاتٌ لَفَظَتْهَا الطَّبِيعَةُ كَمَا تَلْفِظُ الْبُرَازَ، وَاسْتَعَاضَتْ عَنْهَا بِمَوَادَّ حَيَّةٍ جَدِيدَةٍ مِنَ الدَّمِ، فَالْعَوْدُ إِلَى التَّغَذِّي بِهَا يُشْبِهُ التَّغَذِّي بِالرَّجِيعِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الدَّمِ جَرَاثِيمُ بَعْضِ الْأَمْرَاضِ الْمُعْدِيَةِ، وَهِيَ تَكُونُ فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا تَكُونُ فِي اللَّحْمِ، وَكَذَا اللَّبَنُ الَّذِي أَعَدَّهُ الْخَالِقُ الْحَكِيمُ فِي أَصْلِ الطَّبِيعَةِ لِلتَّغَذِّي بِهِ، وَمَعَ هَذَا تَرَى الْأَطِبَّاءَ مُتَّفِقِينَ عَلَى وُجُوبِ غَلْيِ اللَّبَنِ ; لِأَجْلِ قَتْلِ مَا عَسَاهُ يُوجَدُ فِيهِ مِنْ جَرَاثِيمِ الْأَمْرَاضِ الْمُعْدِيَةِ، وَالدَّمُ لَا يُغْلَى كَمَا يُغْلَى اللَّبَنُ، بَلْ يَجْمُدُ بِقَلِيلٍ مِنَ
الْحَرَارَةِ، وَحِينَئِذٍ تَبْقَى جَرَاثِيمُ الْمَرَضِ فِيهِ حَيَّةً تُؤَثِّرُ فِي الْجِسْمِ الَّذِي تَدْخُلُهُ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمَشْهُورَ عَنِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ الدَّمَ مَادَّةُ الْحَيَاةِ الْحَيَوَانِيَّةِ الْفَعَّالَةِ فِي الصِّحَّةِ ; فَإِذَا أَمْكَنَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُضِيفَ دَمَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحْيَاءِ إِلَى دَمِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إِلَّا صِحَّةً وَقُوَّةً.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا لَا يُؤْخَذُ عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ شُرْبَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، أَوْ أَكْلَهُ بَعْدَ أَنْ يَجْمُدَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالطَّبْخِ، مُفِيدٌ لِلصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ، وَلَا أَنَّهُ يَزِيدُ الدَّمَ ; وَلِذَلِكَ لَا يَفْعَلُونَهُ وَلَا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِهِ، وَلَا يَقُولُونَ: إِنَّ مِعَدَ النَّاسِ تَقْوَى عَلَى هَضْمِهِ وَالتَّغَذِّي بِهِ بِسُهُولَةٍ، وَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ الدَّمُ مِمَّا يُهْضَمُ مِنَ الطَّعَامِ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْقَنَ ضَعِيفُ الدَّمِ بِدَمِ حَيَوَانٍ سَلِيمٍ، فَيَزِيدُهُ ذَلِكَ قُوَّةً، وَهَذَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَلَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ.
(الثَّالِثُ: لَحْمُ الْخِنْزِيرِ) وَحِكْمَةُ تَحْرِيمِهِ مَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، وَكَوْنُهُ مِمَّا يُسْتَقْذَرُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ اسْتِقْذَارُهُ لَيْسَ لِذَاتِهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِمَنْ يَتَذَكَّرُ مُلَازَمَتَهُ لِلْقَاذُورَاتِ وَرَغْبَتَهُ فِيهَا ; وَلِهَذَا الْمَعْنَى وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبِ لَبَنِهَا، وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَالْجُلَّةَ، أَيِ الْبَعْرَ (وَالْجَلَّالَةُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، وَهِيَ كَالْجُلَّةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ) فَرَوَى أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْهُمْ، كَمَا صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " نَهَى رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شُرْبِ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ " وَرُوِيَ بِلَفْظِ: " وَعَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبِ أَلْبَانِهَا " وَصَحَّحَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَرَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْجَلَّالَةِ مِنَ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا ; كَالدَّجَاجِ وَالْأَوِزِّ، هَلِ الْعِبْرَةُ بِعَلَفِهَا قِلَّةً وَكَثْرَةً، أَمِ الْعِبْرَةُ بِرَائِحَةِ لَحْمِهَا؟ وَهَلِ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ أَمْ لِلْكَرَاهَةِ؟ وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ: لَا تُؤْكَلُ حَتَّى تُحْبَسَ عَنْ أَكْلِ الْقَذَرِ أَيَّامًا، وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَةَ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَرَ بِأَكْلِهَا بَأْسًا، وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا، أَنَّ الْإِسْلَامَ طَيِّبٌ أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ، وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ، وَبَالَغَ فِي أَمْرِ النَّظَافَةِ، فَلَا غَرْوَ إِذَا عَدَّ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ لِلْقَاذُورَاتِ عِلَّةً أَوْ حِكْمَةً مِنْ عِلَلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ أَوْ حِكَمِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، فَكَيْفَ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ؟

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 112
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست