responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 351
مُفَسَّدَاتِ الْفِطْرَةِ حَصْرَ تِلْكَ السُّلْطَةِ الْعُلْيَا فِي بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي يَسْتَكْبِرُهَا الْإِنْسَانُ وَيَعِيَا فِي فَهْمِ حَقِيقَتِهَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ فَهْمُهَا وَعِلْمُهَا مُمْكِنًا فِي نَفْسِهِ لَوْ جَاءَهُ طَالِبُهُ مِنْ طَرِيقِهِ، وَهَذَا هُوَ أَصْلُ الشِّرْكِ وَقَدْ بَيَّنَاهُ آنِفًا فِي تَفْسِيرِ إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ (4: 48) ، وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى، وَيَتْلُو هَذَا الْفَسَادَ وَالْإِفْسَادَ التَّقْلِيدُ الَّذِي يَمُدُّهُ وَيُؤَيِّدُهُ، وَيَحُولُ بَيْنَ الْعُقُولِ الَّتِي كَمَّلَ اللهُ بِهَا فِطْرَةَ الْبَشَرِ وَبَيْنَ عَمَلِهَا الَّذِي خُلِقَتْ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ النَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ لِأَجْلِ التَّوَصُّلِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ، وَتَرْجِيحُ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ مَتَى تَبَيَّنَا لَهُ عَلَى مَا يُقَابِلُهُمَا.
وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا، أَيْ: مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا لَهُ وَتِلْكَ حَالُهُ فِي التَّمَرُّدِ وَالْبُعْدِ مِنْ أَسْبَابِ رَحْمَةِ اللهِ وَفَضْلِهِ وَإِغْوَائِهِ لِلنَّاسِ وَتَزْيِينِهِ لَهُمُ الشُّرُورَ وَسُوءَ التَّصَرُّفِ فِي فِطْرَةِ اللهِ وَتَشْوِيهِ خَلْقِهِ، بِأَنْ يُوَالِيَهُ وَيَتَّبِعَ وَسْوَسَتَهُ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا بَيِّنًا ظَاهِرًا فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ ; إِذْ يَكُونُ أَسِيرَ الْأَوْهَامِ
وَالْخُرَافَاتِ، يَتَخَبَّطُ فِي عَمَلِهِ عَلَى غَيْرِ هُدًى فَيَفُوتُهُ الِانْتِفَاعُ التَّامُّ بِمَا وَهَبَهُ اللهُ مِنَ الْعَقْلِ وَسَائِرِ الْقُوَى وَالْمَوَاهِبِ.
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا (2: 268) ، أَيْ: يَعِدُ النَّاسَ الْفَقْرَ إِذَا هُمْ أَنْفَقُوا شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَهَا هُنَا حَذْفُ مَفْعُولِ الْوَعْدِ فَهُوَ يَشْمَلُ الْوَعْدَ بِالْفَقْرِ وَيَشْمَلُ غَيْرَهُ مِنْ وُعُودِهِ الَّتِي يُوَسْوِسُ بِهَا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يَعِدُ مَنْ يُرِيدُ التَّصَدُّقَ الْفَقْرَ وَيُوَسْوِسُ إِلَيْهِ قَائِلًا: إِنْ مَالَكَ يَنْفَدُ أَوْ يِقِلُّ فَتَكُونُ فَقِيرًا ذَلِيلًا، فَإِنَّهُ يَسْلُكُ فِي الْوَسْوَسَةِ إِلَى مَنْ يُغْرِيهِ بِالْقِمَارِ مَسْلَكًا آخَرَ فَيَعِدُهُ الْغِنَى وَالثَّرْوَةَ، وَكَذَلِكَ يَعِدُ مَنْ يُغْرِيهِ بِالتَّعَصُّبِ لِمَذْهَبِهِ وَإِيذَاءِ مُخَالِفِهِ فِيهِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ الْجَاهَ وَالشُّهْرَةَ وَبُعْدَ الصِّيتِ، وَيُؤَيِّدُ وُعُودَهُ الْبَاطِلَةَ بِالْأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ يُلْقِيهَا إِلَيْهِ ; وَلِهَذَا أَعَادَ ذِكْرَ الْأُمْنِيَةِ فِي مَقَامِ بَيَانِ خُسْرَانِ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ لِسَانِ الشَّيْطَانِ قَوْلَهُ: وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ، وَيَدْخُلُ فِي وَعْدِ الشَّيْطَانِ وَتَمْنِيَتِهِ مَا يَكُونُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ مِنَ الْإِنْسِ، وَهُمْ قُرَنَاءُ السُّوءِ الَّذِينَ يُزَيِّنُونَ لِلنَّاسِ الضَّلَالَ وَالْمَعَاصِيَ وَيَعِدُونَهُمْ بِالْمَالِ وَالْجَاهَ، وَيَمُدُّونَهُمْ فِي الطُّغْيَانِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: لَوْلَا وُعُودُ الشَّيْطَانِ لَمَا عَنَى أَوْلِيَاؤُهُ بِنَشْرِ مَذَاهِبِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَآرَائِهِمْ وَأَضَالِيلِهِمْ، الَّتِي يَبْتَغُونَ بِهَا الرِّفْعَةَ وَالْجَاهَ وَالْمَالَ، وَهَؤُلَاءِ مَوْجُودُونَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَيُعْرَفُونَ بِمَقَاصِدِهِمْ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا مَا قَبْلُهُ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ لِيَصِلَ بِهِ قَوْلَهُ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا أَيْ: إِلَّا بَاطِلًا يَغْتَرُّونَ بِهِ، وَلَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ مَا يُحِبُّونَ، وَأَقُولُ: فَسَّرَ بَعْضُهُمُ الْغُرُورَ بِأَنَّهُ إِظْهَارُ النَّفْعِ فِيمَا هُوَ ضَارٌّ، أَيْ: فِي الْحَالِ أَوِ الْمَآلِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقِمَارِ وَالزِّنَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.
أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا أَيْ: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْبَثُ بِهِمُ الشَّيْطَانُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 351
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست