responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 350
وَلَا حُجَّةٍ، وَيَشْمَلُ التَّغْيِيرَ الْمَعْنَوِيَّ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِخَلْقِ اللهِ دِينُهُ ; لِأَنَّهُ دِينُ الْفِطْرَةِ وَهِيَ الْخِلْقَةُ، قَالَ - تَعَالَى -: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (30: 30) ، وَرَوَى أَيْضًا تَفْسِيرَ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللهِ بِوَشْمِ الْأَبْدَانِ وَوَشْرِ الْأَسْنَانِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُقْصَدُ بِهِ الزِّينَةُ، وَفِي الْحَدِيثِ لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَلَعَلَّ سَبَبَ التَّشْدِيدِ فِيهِ إِفْرَاطُهُمْ فِيهِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى دَرَجَةِ التَّشْوِيهِ بِجَعْلِ مُعْظَمِ الْبَدَنِ وَلَا سِيَّمَا الظَّاهِرُ مِنْهُ كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ أَزْرَقَ بِهَذَا النَّقْشِ الْقَبِيحِ وَكَانَ النَّاسُ وَلَا يَزَالُونَ يَجْعَلُونَ مِنْهُ صُوَرًا لِلْمَعْبُودَاتِ وَغَيْرِهَا كَمَا يَرْسِمُ النَّصَارَى بِهِ الصَّلِيبَ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَصُدُورِهِمْ، وَأَمَّا وَشْرُ الْأَسْنَانِ بِتَحْدِيدِهَا وَأَخْذِ قَلِيلٍ مِنْ طُولِهَا إِذَا كَانَتْ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ مَعْنَى التَّغْيِيرِ الْمُشَوِّهِ، بَلْ هُوَ إِلَى تَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ وَتَقْصِيرِ الشَّعْرِ أَقْرَبُ، وَلَوْلَا أَنَّ الشَّعْرَ وَالْأَظَافِرَ تَطُولُ دَائِمًا وَلَا تَطُولُ الْأَسْنَانُ لِمَا كَانَ ثَمَّ فَرْقٌ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ التَّغْيِيرَ الصُّورِيَّ الَّذِي يَجْدُرُ بِالذَّمِّ يُعَدُّ مِنْ إِغْرَاءِ الشَّيْطَانِ هُوَ مَا كَانَ فِيهِ تَشْوِيهٌ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ مِنَ السُّنَّةِ الْخِتَانُ وَالْخِضَابُ وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: جَرَى قَلِيلٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ اللهِ تَغْيِيرُ دِينِهِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ التَّغْيِيرُ الْحِسِّيُّ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ التَّغْيِيرُ الْمَعْنَوِيُّ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى مَا يَشْمَلُهُمَا، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: إِنَّ الْمُرَادَ تَغْيِيرُ الْفِطْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِتَحْوِيلِ النَّفْسِ
عَمَّا فُطِرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَطَلَبِ الْحَقِّ وَتَرْبِيَتِهَا عَلَى الْأَبَاطِيلِ وَالرَّذَائِلِ وَالْمُنْكَرَاتِ، فَاللهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، وَهَؤُلَاءِ يُفْسِدُونَ مَا خَلَقَ وَيَطْمِسُونَ عُقُولَ النَّاسِ، اهـ.
أَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ بِمَعْنَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَغْيِيرُ الدِّينِ ; لِأَنَّ مَنْ قَالُوا إِنَّهُ تَغْيِيرُ الدِّينِ اسْتَدَلُّوا بِالْآيَةِ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ آنِفًا، وَالدِّينُ الْفِطْرِيُّ الَّذِي هُوَ مِنْ خَلْقِ اللهِ وَآثَارِ قُدْرَتِهِ لَيْسَ هُوَ مَجْمُوعَ الْأَحْكَامِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الرُّسُلُ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مِنْ كَلَامِ اللهِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهِمْ لِيُبَلِّغُوهُ وَيُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ، لَا مِمَّا خَلَقَهُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ وَفَطَرَهُمْ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الدِّينَ الْفِطْرِيَّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْإِسْلَامِ دِينَ الْفِطْرَةِ، وَحَدِيثُ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَقَدْ أَشَارَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ إِلَى ذَلِكَ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا مِنْ كَوْنِ الْإِنْسَانِ فُطِرَ عَلَى طَلَبِ الْحَقِّ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالْأَخْذِ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ بِالدَّلِيلِ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوِ الْخَيْرُ إِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا بِالْبَدَاهَةِ، وَمِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَأُسُسِهِ الْفِطْرِيَّةِ الْعُبُودِيَّةُ لِلسُّلْطَةِ الْغَيْبِيَّةِ الَّتِي تَنْتَهِي إِلَيْهَا الْأَسْبَابُ وَتَقِفُ دُونَ اكْتِنَاهِ حَقِيقَتِهَا الْعُقُولُ، أَيْ: لِمَصْدَرِ هَذِهِ السُّلْطَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْكَائِنَاتِ كُلِّهَا وَهُوَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَكَانَ أَكْبَرُ وَأَشَدُّ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 350
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست