responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 272
الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ بَيْنَهُمْ، فَإِذَا طَابَتْ نُفُوسُهُمْ بِالْعَفْوِ عَنْهَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَانْتَفَى الْمَحْذُورُ ; لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ بِذَلِكَ أَصْحَابَ فَضْلٍ، وَيَرَى الْقَاتِلُ لَهُمْ ذَلِكَ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْفَضْلِ وَالْمِنَّةِ لَا يَثْقُلُ عَلَى النَّفْسِ حَمْلُهُ، كَمَا يَثْقُلُ عَلَيْهَا حَمْلُ مِنَّةِ الصَّدَقَةِ بِالْمَالِ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّصَدُّقِ لِلتَّرْغِيبِ فِيهِ.
فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٌّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، أَيْ فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ أَعْدَائِكُمْ
وَالْحَالُ أَنَّهُ هُوَ مُؤْمِنٌ كَالْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُمْ أَعْدَاءٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ يُحَارِبُونَهُمْ، وَقَدْ آمَنَ وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُسْلِمُونَ بِإِيمَانِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُهَاجِرْ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ عَيَّاشٌ فِي حَالِ خُرُوجِهِ مُهَاجِرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ وَمَثْلُهُ كُلُّ مَنْ آمَنَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمِ الْمُسْلِمُونَ بِإِيمَانِهِ إِذَا قُتِلَ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَيْ: فَالْوَاجِبُ عَلَى قَاتِلِهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ فَقَطْ، وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَهْلِهِ لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءٌ مُحَارِبُونَ، فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى عَدَاوَتِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَقِيلَ: إِنَّ دِيَتَهُ وَاجِبَةٌ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ الْكِتَابُ فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ.
وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، وَهُمُ الْمُعَاهِدُونَ لَكُمْ عَلَى السِّلْمِ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تُقَاتِلُونَهُمْ، كَمَا عَلَيْهِ الدُّوَلُ فِي هَذَا الْعَصْرِ، كُلُّهُمْ مُعَاهِدُونَ قَدْ أَعْطَى كُلٌّ مِنْهُمْ لِلْآخَرِينَ مِيثَاقًا عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُعَاهَدَاتِ وَحُقُوقِ الدُّوَلِ وَمَثْلُهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِعُمُومِ الْمِيثَاقِ أَوْ بِقِيَاسِ الْأُولَى فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَيْ فَالْوَاجِبُ فِي قَتْلِ الْمُعَاهِدِ وَالذِّمِّيِّ هُوَ كَالْوَاجِبِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ: دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ تَكُونُ عِوَضًا فِي حَقِّهِمْ، وَعِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ كَفَّارَةٌ عَنْ حَقِّ اللهِ - تَعَالَى - الَّذِي حَرَّمَ قَتْلَ الذِّمِّيِّينَ وَالْمُعَاهِدِينَ، كَمَا حَرَّمَ قَتْلَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ نَكَّرَ الدِّيَةَ هُنَا كَمَا نَكَّرَهَا هُنَاكَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ كُلَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّرَاضِي، وَأَنَّ لِلْعُرْفِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا إِذَا ذُكِرَ فِي عَقْدِ الْمِيثَاقِ أَنَّ مَنْ قُتِلَ تَكُونُ دِيَتُهُ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ هَذَا النَّصَّ أَجْدَرُ بِالتَّرَاضِي وَأَقْطَعُ لِعِرْقِ النِّزَاعِ، وَسَيَأْتِي مَا وَرَدَ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمَرْفُوعَةِ وَالْآثَارِ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ قَدَّمَ هُنَا ذِكْرَ الدِّيَةِ، وَأَخَّرَ ذِكْرَ الْكَفَّارَةِ، وَعَكَسَ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ، وَلَعَلَّ النُّكْتَةَ فِي ذَلِكَ الْإِشْعَارُ بِأَنَّ حَقَّ اللهِ - تَعَالَى - فِي مُعَامَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ مُقَدَّمٌ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ اسْتَثْنَى هُنَالِكَ فِي أَمْرِ الدِّيَةِ فَقَالَ: إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ; لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ الْعَفْوَ وَالسَّمَاحَ، وَاللهُ يُرَغِّبُهُمْ فِيمَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِمْ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِمْ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ هُنَا ; لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُعَاهِدِينَ الْمُشَاحَّةَ وَالتَّشْدِيدَ فِي حُقُوقِهِمْ، وَلَيْسُوا مُذْعِنِينَ لِهِدَايَةِ الْإِسْلَامِ فَيُرَغِّبُهُمْ كِتَابُهُ فِي الْفَضَائِلِ وَالْمَكَارِمِ وَثَمَّ نُكْتَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ
فِي سَمَاحِ الْمُعَاهِدِ لِلْمُؤْمِنِ بِالدِّيَةِ مِنَّةً عَلَيْهِ، وَالْكِتَابُ الْعَزِيزُ الَّذِي وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعِزَّةِ لَا يَفْتَحُ لَهُمْ بَابُ هَذِهِ الْمِنَّةِ، وَمِنْ مَحَاسِنِ نَظْمِ الْكَلَامِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 272
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست