responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 255
وَجَذْبُ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ لِيَكُونَ الْبَشَرُ كُلُّهُمْ إِخْوَةً، وَمِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ الَّتِي كَانَتْ فَاشِيَةً فِي عَهْدِ النُّبُوَّةِ إِفْشَاءُ السَّلَامِ إِلَّا مَعَ الْمُحَارِبِينَ ; لِأَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ فَقَدْ أَمَّنَهُ، فَإِذَا فَتَكَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ خَائِنًا نَاكِثًا لِلْعَهْدِ، وَكَانَ الْيَهُودُ يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَرُدُّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ، حَتَّى كَانَ مِنْ بَعْضِ سُفَهَائِهِمْ تَحْرِيفُ السَّلَامِ بِلَفْظِ: " السَّامُ " أَيِّ الْمَوْتُ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجِيبُهُمْ بِقَوْلِهِ: " وَعَلَيْكُمْ "، وَسَمِعَتْ عَائِشَةُ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ: " السَّامُ عَلَيْكُمْ "، فَقَالَتْ لَهُ: وَعَلَيْكَ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَانْتَهَرَهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُبَيِّنًا لَهَا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَكُونُ فَاحِشًا وَلَا سَبَّابًا وَأَنَّ الْمَوْتَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِلذِّمِّيِّ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، وَعَنِ الشَّعْبِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ لِنَصْرَانِيٍّ سَلَّمَ عَلَيْهِ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ - تَعَالَى -، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: " أَلَيْسَ فِي رَحْمَةِ اللهِ يَعِيشُ "، وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْأَمْرُ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ تَعْرِفُ وَمَنْ لَا تَعْرِفُ، وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ رُدُّوهَا لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَعَلَيْهِ يُقَالُ لِلْكِتَابِيِّ فِي رَدِّ السَّلَامِ عَيْنُ مَا يَقُولُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ الرَّحْمَةِ.
هَذِهِ لُمَعَةٌ مِمَّا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ ثُمَّ جَاءَ الْخَلَفُ فَاخْتَلَفُوا فِي السَّلَامِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِ، فَقَالَ كَثِيرُونَ: إِنَّهُمْ لَا يَبْدَءُونَ بِالسَّلَامِ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ، وَحَمَلُوا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عَلَى الْحَاجَةِ أَيْ: لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمُ ابْتِدَاءً إِلَّا لِحَاجَةٍ، وَأَمَّا الرَّدُّ فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّهُ وَاجِبٌ كَرَدِّ سَلَامِ الْمُسْلِمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ سُنَّةٌ وَفِي الْخَانِيَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: وَلَوْ سَلَّمَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ فَلَا بَأْسَ بِالرَّدِّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ لَا وَاجِبٌ وَلَا مَسْنُونٌ مَعَ أَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِهِ فِي الصَّحِيحِ.
أَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا يُنَافِي حَقَّ غَيْرِهِ، فَالسَّلَامُ حَقٌّ عَامٌّ وَيُرَادُ بِهِ أَمْرَانِ: مُطْلَقُ التَّحِيَّةِ، وَتَأْمِينُ مَنْ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ مِنَ الْغَدْرِ وَالْإِيذَاءِ وَكُلِّ مَا يُسِيءُ.
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - جَعَلَ السَّلَامَ تَحِيَّةً لِأُمَّتِنَا وَأَمَانًا لِأَهْلِ ذِمَّتِنَا، وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي السَّلَامِ عَامَّةً، وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا " الْمُسْلِمُ " كَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا غَيْرُهُ كَحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا.
أَمَّا جَعْلُ تَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ عَامَّةً فَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ مَا كَانَ سَبَبًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ بِلَفْظِ: " وَعَلَيْكُمْ " حَتَّى لَا يَكُونُوا مَخْدُوعِينَ لِلْمُحَرِّفِينَ، وَمِنْ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ الشَّيْءَ يَزُولُ بِزَوَالِ سَبَبِهِ، وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 255
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست