responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 227
عَنْ رَبِّهِ، وَالثَّانِيَةُ: مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَحْكُمُ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِ، وَالثَّالِثَةُ: مَا يَسْتَنْبِطُهُ جَمَاعَةُ أُولِي الْأَمْرِ مِمَّا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ، وَقَدْ أَثْبَتُّ وُجُوبَ طَاعَةِ الرَّسُولِ فِي اجْتِهَادِهِ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنْ أَصْرَحِهَا وَأَوْضَحِهَا مَا ذَكَرْتُهُ فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ (4: 13) ، إِلَخْ، [ص 350، 351 ج4 ط الْهَيْئَةِ] ، أَفَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنَ الطَّاعَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَكَوْنَ هَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي مَفْهُومِ التَّوْحِيدِ؟
قُلْتُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَاجْتِهَادُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ بَيَانٌ لِلْوَحْيِ الَّذِي بَلَّغَهُ عَنِ اللهِ - تَعَالَى -، وَقَدْ أَذِنَ اللهُ لَهُ بِهَذَا الْبَيَانِ فَقَالَ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (16: 44) ، وَهَذَا الْإِذْنُ ضَرُورِيٌّ لَا غِنَى عَنْهُ، وَنَظِيرُهُ اجْتِهَادُ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ فِي تَفْسِيرِ الْقَوَانِينِ، فَطَاعَتُهُمْ فِيمَا يَحْكُمُونَ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِمْ فِي هَذِهِ الْقَوَانِينِ إِنَّمَا هُوَ طَاعَةٌ لِلْقَانُونِ لَا لِلشَّخْصِ الْحَاكِمِ بِجَعْلِهِ شَارِعًا يُطَاعُ لِذَاتِهِ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى أَنَّ كُلَّ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ وَمَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ وَحْيٌ، وَأَنَّ الْوَحْيَ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي الْقُرْآنِ، بَلِ الْقُرْآنُ هُوَ الْوَحْيُ الَّذِي نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا النَّظْمِ الْمُعْجِزِ لِلتَّحَدِّي بِهِ، وَثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ الْقَطْعِيِّ وَأَمْرِنَا بِالتَّعَبُّدِ بِهِ، وَهُنَاكَ وَحْيٌ لَيْسَ لَهُ خَصَائِصُ الْقُرْآنِ كُلُّهَا، وَهُوَ مَا كَانَ يُلْقِيهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ فِي رُوعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُعَبِّرُ عَنْهُ بِعِبَارَةٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَيْسَتْ مُعْجِزَةً يَتَحَدَّى بِهَا وَلَا يُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهَا وَلَكِنْ يُطَاعُ الرَّسُولُ فِيهَا لِأَنَّهُ مَا جَاءَ بِهَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بَلْ مِنْ عِنْدِ مُرْسِلِهِ، وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى هَذَا بِمَا جَاءَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النَّجْمِ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (53: 3، 4) ، وَغَيْرُهُمْ يَجْعَلُ هَذَا النَّصَّ فِي الْقُرْآنِ خَاصَّةً.
وَأَمَّا طَاعَةُ أُولِي الْأَمْرِ فَهِيَ لَا تُنَافِي التَّوْحِيدَ أَيْضًا، وَلَا تَقْتَضِي ذُلَّ الْمُؤْمِنِ الْمُوَحِّدِ بِخُضُوعِهِ لِمِثْلِهِ مِنَ الْبَشَرِ وَجَعْلِهِ شَارِعًا يُطَاعُ لِذَاتِهِ ; لِأَنَّ أُولِي الْأَمْرِ إِنَّمَا يُطَاعُونَ فِيمَا
تَعْهَدُ إِلَيْهِمُ الْأُمَّةُ وَضَعَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ السِّيَاسِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ الَّتِي مَسَّتْ حَاجَتُهَا إِلَيْهَا لِثِقَتِهَا بِهِمْ لَا تَقْدِيسًا لِذَوَاتِهِمْ، وَمَا يَضَعُونَهُ بِشُرُوطِهِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ الْآيَاتِ يُنْسَبُ إِلَى الْأُمَّةِ لِأَنَّهُمْ وَضَعُوهُ بِالنِّيَابَةِ عَنْهَا، فَلَا يَشْعُرُ أَحَدُ مُتَّبِعِيهِ بِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْبَدًا مُسْتَذَلًّا لِأَحَدِ أُولَئِكَ النُّوَّابِ عَنْهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّ رَأْيَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ وَضَعُوا مَا وَضَعُوهُ بِالْمُشَاوَرَةِ، يَكُونُ مُدْغَمًا فِي آرَاءِ الْآخَرِينَ، وَالسُّلْطَةُ فِي ذَلِكَ لِلْأُمَّةِ فِي مَجْمُوعِهَا لَا لِأُولَئِكَ الْأَفْرَادِ الَّذِينَ وَكَّلَتْ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يَكِلُّ إِلَى آخَرَ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِي الْأَمْرِ أَوْ يُوَكِّلَهُ فِيهِ فَيَقُومَ بِذَلِكَ، وَلَا يَرَى الْعَاهِدُ أَوِ الْمُوَكَّلُ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَذَلًّا لَهُ، وَلَا يَرَى النَّاسُ ذَلِكَ أَيْضًا بَلْ قَدْ يَرَوْنَ عَكْسَهُ، فَالْمُؤْمِنُ لَا يَذِلُّ وَيَسْتَخْذِي لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ لِذَاتِهِ بَلْ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالْعِزَّةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، كَمَا أَثْبَتَ الْكِتَابُ الْمُبِينُ.
وَمِنْ هَذَا الْبَيَانِ تَفْهَمُ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا، أَيْ وَمَنْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 227
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست