responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 226
عَلَى الْمَأْلُوهِ وَالرَّبِّ عَلَى الْمَرْبُوبِ، فَحَجَرُ الصَّوَّانِ الصُّلْبُ الْقَوِيُّ لَيْسَ إِلَهًا وَلَا رَبًّا لِحَجَرِ الْكَذَّانِ الضَّعِيفِ، وَلَا حَجَرُ
الْمِغْنَاطِيسِ إِلَهًا يُعَظَّمُ تَعْظِيمًا دِينِيًّا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَزِيَّةِ، وَالشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ وَالْحَرَارَةِ لَيْسَتْ إِلَهًا وَلَا رَبًّا لِلسَّيَّارَاتِ التَّابِعَةِ لَهَا وَلَا لِغَيْرِهِنَّ، بَلْ هِيَ مُسَخَّرَةٌ مِثْلُهُنَّ لِلسُّنَنِ الْعَامَّةِ فِي نِظَامِ الْكَوْنِ، كَذَلِكَ الْقَوِيُّ فِي جِسْمِهِ أَوْ عَقْلِهِ لَيْسَ إِلَهًا لِلضَّعِيفِ يَدْعُوهُ هَذَا وَيَذِلُّ لَهُ وَيَسْتَخْذِي أَمَامَهُ، وَوَاسِعُ الْعِلْمِ لَيْسَ رَبًّا لِقَلِيلِ الْعِلْمِ يُشَرِّعُ لَهُ وَيُحَلِّلُ وَيُحَرِّمُ وَمَا عَلَى الْآخَرِ إِلَّا الطَّاعَةُ، كَذَلِكَ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ لَا يَجِبُ رَفْعُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَالْخُضُوعُ لَهُ تَعَبُّدًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِعِلْمٍ انْفَرَدَ بِهِ، أَوْ حِيلَةٍ وَهُوَ السِّحْرُ أَوْ بِاتِّفَاقٍ أَوْ بِقُوَّةٍ رُوحِيَّةٍ وَمِنْهُ مَا يُسَمُّونَهُ كَرَامَةً، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ امْتَازَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ كَامْتِيَازِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَالذَّكِيِّ عَلَى الْبَلِيدِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ رَبًّا وَلَا إِلَهًا، وَلَا خَارِجًا عَنْ سُنَنِ الْكَوْنِ، بَلْ كُلٌّ عَبِيدٌ مُسَخَّرُونَ لِسُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - وَيَسْتَفِيدُونَ مِنْهَا بِقَدْرِ عِلْمِهِمْ وَطَاقَتِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ، وَيُكَلَّفُونَ طَاعَةَ اللهِ - تَعَالَى - وَحْدَهُ بِحَسَبِ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ أَفْهَامُهُمْ فِي شَرْعِهِ، لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلَ بِاعْتِقَادِ غَيْرِهِ وَلَا بِرَأْيِهِ، نَعَمْ إِنَّهُمْ يَتَعَاوَنُونَ فِي الْأَعْمَالِ وَفِي الْعُلُومِ، فَقَوِيُّ الْبَدَنِ يَكُونُ أَكْثَرَ نَفْعًا لِلْآخَرِينَ بِقُوَّتِهِ الْبَدَنِيَّةِ وَهُوَ عَبْدٌ مِثْلُهُمْ لَا يُقَدِّسُونَهُ وَلَا يَرْفَعُونَ مَرْتَبَتَهُ عَنِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي يُشَارِكُهُمْ فِيهَا، وَقَوِيُّ الْعَقْلِ يَكُونُ أَكْثَرَ نَفْعًا بِرَأْيِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ ارْتِفَاعًا قُدُسِيًّا، وَمَنْ كَانَ أَكْثَرَ تَحْصِيلًا لِلْعِلْمِ يَفِيضُ مِنْ عِلْمِهِ عَلَى الطُّلَّابِ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ وَلَا بِفَهْمِهِ إِلَّا إِذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ وَصَارَ عِلْمًا لَهُ وَاعْتِقَادًا، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ عَامِلًا بِاعْتِقَادِ نَفْسِهِ الَّذِي حَصَّلَهُ بِمُسَاعَدَةِ أُسْتَاذِهِ لَا بِاعْتِقَادِ أُسْتَاذِهِ وَلَا بِرَأْيِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُوَحِّدُ لَا يُطِيعُ أَمْرَ الرَّسُولِ لِذَاتِهِ بَلْ لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَمَّنْ أَرْسَلَهُ فَكَيْفَ. يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُطِيعَ أَمْرَ مَنْ دُونَهُ لِذَاتِهِ، وَيَعْمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللهِ - تَعَالَى -؟ !
هَذَا هُوَ مَقَامُ التَّوْحِيدِ الْأَعْلَى الَّذِي جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ وَهُوَ مَنَاطُ السَّعَادَةِ فِي الدَّارَيْنِ، وَلَيْسَ لَقَبًا مِنْ أَلْقَابِ الشَّرَفِ أَوْ لَفْظًا مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُوضَعُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ جَمَاعَاتِ النَّاسِ عَلَى سَبِيلِ الْعُرْفِ وَالِاصْطِلَاحِ، فَالتَّوْحِيدُ وَالْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ لَهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ إِطْلَاقٌ عُرْفِيٌّ اصْطِلَاحِيٌّ، فَيُطْلَقُ اللَّفْظُ مِنْهَا عَلَى أُنَاسٍ لَا يَفْهَمُونَ شَيْئًا مِنْ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ، لَا تَصْدُقُ عَلَيْهِمْ مَدْلُولَاتُهَا وَلَا تَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ آيَاتُهَا، وَلَمْ يَنَالُوا مَا بَيَّنَهُ
الْكِتَابُ الْعَزِيزُ مِنْ ثَمَرَاتِهَا، كَكَوْنِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ هُمُ الْمَنْصُورِينَ الْغَالِبِينَ، وَالْأَئِمَّةَ الْوَارِثِينَ.
فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّكَ أَثْبَتَّ فِي تَفْسِيرِ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (4: 59) ، أَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ بِاجْتِهَادِهِ وَاجِبَةٌ، وَذَكَرْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي جَعَلْتُهَا ذَيْلًا لِتَفْسِيرِ الْآيَةِ مُوَضِّحًا لَهَا أَنَّ مَرَاتِبَ الطَّاعَةِ ثَلَاثٌ: الْأُولَى: مَا يُبَلِّغُهُ الرَّسُولُ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 226
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست