responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 154
لِذَاتِهِ يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ، وَمَا حُرِّمَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ، وَمُرَاعَاةُ الْعَدْلِ لِذَاتِهِ، وَرَدُّ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَلَكِنَّنَا مَا رَعَيْنَا هَذِهِ الْهِدَايَةَ حَقَّ رِعَايَتِهَا فَقَيَّدْنَا أَنْفُسَنَا بِأُلُوفٍ مِنَ الْقُيُودِ الَّتِي اخْتَرَعْنَاهَا وَسَمَّيْنَاهَا دِينًا، فَلَمَّا أَقْعَدَتْنَا هَذِهِ الْقُيُودُ عَنْ مُجَارَاةِ الْأُمَمِ فِي الْمَدَنِيَّةِ وَالْعُمْرَانِ صَارَ حُكَّامُنَا الَّذِينَ خَرَجُوا بِنَا عَنْ هَذِهِ الْأُسُسِ وَالْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَرِيقَيْنِ: فَرِيقًا رَضُوا بِالْقُعُودِ وَاخْتَارُوا الْمَوْتَ عَلَى الْحَيَاةِ تَوَهُّمًا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ بِمُحَافَظَتِهِمْ عَلَى قُيُودِهِمُ التَّقْلِيدِيَّةِ مُحَافِظُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَائِلِينَ: إِنَّ الْمَوْتَ عَلَى ذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ الْحَيَاةِ بِاتِّبَاعِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي أُصُولِ حُكُومَتِهِمْ، وَفَرِيقًا رَأَوْا أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي قَوَانِينِهِمُ الْأَسَاسِيَّةِ أَوِ الْفَرْعِيَّةِ، فَكَانَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بِجَهْلِهِ حُجَّةً عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ، وَالْإِسْلَامُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي الْحَقِيقَةِ، فَكِتَابُ اللهِ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَنُورُهُ مُتَأَلِّقٌ لَا يَخْفَى، وَإِنْ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَلْفَ حِجَابٍ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ (6: 149) .
لَيْسَ بَيْنَ الْقَانُونِ الْأَسَاسِيِّ الَّذِي قَرَّرَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى إِيجَازِهَا، وَبَيْنَ الْقَوَانِينِ الْأَسَاسِيَّةِ لِأَرْقَى حُكُومَاتِ الْأَرْضِ فِي هَذَا الزَّمَانِ إِلَّا فَرْقٌ يَسِيرٌ، نَحْنُ فِيهِ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَأَثْبَتُ فِي الِاتِّفَاقِ مِنْهُمْ إِذَا نَحْنُ عَمِلْنَا بِمَا هَدَانَا إِلَيْهِ رَبُّنَا.
هُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَصْدَرَ الْقَوَانِينِ الْأُمَّةُ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ آنِفًا، وَالْمَنْصُوصُ قَلِيلٌ جِدًّا.
وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنُوبَ عَنِ الْأُمَّةِ مَنْ يُمَثِّلُهَا فِي ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ مَا يُقَرِّرُونَهُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَرَّرَتْهُ، وَنَحْنُ نَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا عَلِمْتَ.
وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ يُعْرَفُ بِالِانْتِخَابِ وَلَهُمْ فِيهِ طُرُقٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَنَحْنُ لَمْ يُقَيِّدْنَا الْقُرْآنُ بِطَرِيقَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَلَنَا أَنْ نَسْلُكَ فِي كُلِّ زَمَنٍ مَا نَرَاهُ يُؤَدِّي إِلَى الْمَقْصِدِ، وَلَكِنَّهُ سَمَّى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُمَثِّلُونَ الْأُمَّةَ أُولِي الْأَمْرِ أَيْ: أَصْحَابِ الشَّأْنِ فِي الْأُمَّةِ الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهِمْ فِي مَصَالِحِهَا وَتَطْمَئِنُّ هِيَ بِاتِّبَاعِهِمْ، وَقَدْ يَكُونُونَ مَحْصُورِينَ فِي مَرْكَزِ الْحُكُومَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَمَا كَانُوا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَالسِّتَّةُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ عُمَرُ لِلشُّورَى فِي انْتِخَابِ خَلَفٍ لَهُ كَانُوا هُمْ أُولِي الْأَمْرِ ; وَلِذَلِكَ اجْتَمَعَتْ كَلِمَةُ الْأُمَّةِ بِانْتِخَابِهِمْ، وَلَوْ بَايَعَ غَيْرُهُمْ أَمِيرًا لَمْ يُبَايِعُوهُ لَانْشَقَّتِ الْعَصَا وَتَفَرَّقَتِ الْكَلِمَةُ، وَقَدْ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي الْبِلَادِ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ جَمْعِهِمْ وَلَهُمْ أَنْ يَضَعُوا قَانُونًا لِذَلِكَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ إِذَا تَفَرَّقُوا وَجَبَ عَلَى الْحُكُومَةِ تَنْفِيذُ مَا يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْأُمَّةِ الطَّاعَةُ، وَلَهُمْ أَنْ يُسْقِطُوا الْحَاكِمَ الَّذِي لَا يُنَفِّذُ قَانُونَهُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي نَعُدُّهُ مِنْ أُصُولِ شَرِيعَتِنَا.
وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ إِذَا اخْتَلَفُوا يَجِبُ الْعَمَلُ بِرَأْيِ الْأَكْثَرِ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ أَنَّ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ عِنْدَنَا يُرَدُّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيُعْرَضُ عَلَى أُصُولِهِمَا وَقَوَاعِدِهِمَا،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 154
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست