responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 153
وَتَقْرِيرِهِمْ لِلْأَحْكَامِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْأُمَّةُ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أُولِي الْأَمْرِ مَعْنَاهُ أَصْحَابُ أَمْرِ الْأُمَّةِ فِي حُكْمِهَا وَإِدَارَةِ مَصَالِحِهَا، وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ (42: 38) ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شُورَى بَيْنَ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ شُورَى بَيْنَ جَمَاعَةٍ تُمَثِّلُ الْأُمَّةَ وَيَكُونَ رَأْيُهَا كَرَأْيِ مَجْمُوعِ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ لِعِلْمِهِمْ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَغَيْرَتِهِمْ عَلَيْهَا، وَلِمَا لِسَائِرِ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ مِنَ الثِّقَةِ بِهِمْ وَالِاطْمِئْنَانِ بِحُكْمِهِمْ، بِحَيْثُ تَكُونُ بِالْعَمَلِ بِهِ عَامِلَةً بِحُكْمِ نَفْسِهَا وَخَاضِعَةً لِقَلْبِهَا وَضَمِيرِهَا، وَمَا هَؤُلَاءِ إِلَّا أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ الَّذِينَ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُمْ فِي هَذَا السِّيَاقِ، وَلَكِنْ كَيْفَ يَجْتَمِعُ هَؤُلَاءِ وَمَنْ يَجْمَعُهُمْ، وَلِمَاذَا لَمْ يُوضَعْ لَهُمْ نِظَامٌ فِي الْإِسْلَامِ كَنِظَامِ مَجَالِسِ الشُّورَى، الَّتِي تُسَمَّى مَجَالِسَ النُّوَّابِ فِي عُرْفِ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ؟
بَحَثْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي تَفْسِيرِ: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (3: 159) ، فَبَيَّنَّا الْحُكْمَ وَالْأَسْبَابَ لِعَدَمِ وَضْعِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هَذَا النِّظَامَ، وَكَيْفَ كَانَتْ خِلَافَةُ الرَّاشِدِينَ بِالشُّورَى بِحَسَبِ حَالِ زَمَانِهِمْ، وَكَيْفَ أَفْسَدَ الْأُمَوِيُّونَ بَعْدَ ذَلِكَ حُكُومَةَ الْإِسْلَامِ وَهَدَمُوا قَوَاعِدَهَا وَسَنُّوا لِلْمُسْلِمِينَ سُنَّةَ الْحُكُومَةِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْمُؤَيَّدَةِ بِعَصَبِيَّةِ الْحَاكِمِ، فَعَلَيْهِمْ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَيَعْمَلُ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَصَفْوَةُ مَا هُنَالِكَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأُمَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ يُوضَعَ لَهُ نِظَامٌ مُوَافِقٌ لِحَالِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَحْدَهُمْ، وَالْمُسْلِمُونَ قَلِيلٌ مِنَ الْعَرَبِ وَأُولُو الْأَمْرِ فِيهِمْ مَحْصُورُونَ فِي الْحِجَازِ وَيُجْعَلَ عَامًّا لِكُلِّ زَمَانٍ، وَلَوْ وَضَعَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَاتَّخَذُوهُ دِينًا وَتَقَيَّدُوا بِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَهُوَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوَافِقَ كُلَّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَلَكَانَ إِذَا عَمِلَهُ بِاجْتِهَادِهِ غَيْرَ عَامِلٍ بِالشُّورَى، وَإِذَا عَمِلَهُ بِالشُّورَى جَازَ أَنْ يَكُونَ رَأْيُ الْمُسْتَشَارِينَ مُخَالِفًا لِرَأْيهِ كَمَا وَقَعَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ ـ فَيَكُونَ رَأْيُهُمْ قَيْدًا لِلْمُسْلِمِينَ مَدَى الدَّهْرِ، وَيَتَّخِذُونَهُ
دِينًا كَمَا اتَّخَذُوا كَثِيرًا مِنْ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ [رَاجِعْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي ص 163 وَمَا بَعْدَهَا ج4 ط الْهَيْئَةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ] .
فَالْأَمْرُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى هَدَانَا إِلَى أَفْضَلِ وَأَكْمَلِ الْأُصُولِ وَالْقَوَاعِدِ لِنَبْنِيَ عَلَيْهَا حُكُومَتَنَا وَنُقِيمَ بِهَا دَوْلَتَنَا، وَوَكَلَ هَذَا الْبِنَاءَ إِلَيْنَا فَأَعْطَانَا بِذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ التَّامَّةَ وَالِاسْتِقْلَالَ الْكَامِلَ فِي أُمُورِنَا الدُّنْيَوِيَّةِ وَمَصَالِحِنَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَنَا شُورَى بَيْنَنَا يَنْظُرُ فِيهِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْمَكَانَةِ الَّذِينَ نَثِقُ بِهِمْ، وَيُقَرِّرُونَ لَنَا فِي كُلِّ زَمَانٍ مَا تَقُومُ بِهِ مَصْلَحَتُنَا وَتَسْعَدُ أُمَّتُنَا، لَا يَتَقَيَّدُونَ فِي ذَلِكَ بِقَيْدٍ إِلَّا هِدَايَةَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الْمُبَيِّنَةِ لَهُ، وَلَيْسَ فِيهِمَا قُيُودٌ تَمْنَعُ سَيْرَ الْمَدَنِيَّةِ أَوْ تُرْهِقُ الْمُسْلِمِينَ عُسْرًا فِي عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ، بَلْ أَسَاسُهُمَا الْيُسْرُ، وَرَفْعُ الْحَرَجِ وَالْعُسْرِ، وَحَظْرُ الضَّارِّ، وَإِبَاحَةُ النَّافِعِ، وَكَوْنُ مَا حُرِّمَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 153
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست