responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 229
الِاصْطِنَاعِ. وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مُكَاشَفَتِهِمْ بِالْأَسْرَارِ الْخَاصَّةِ بِمَصْلَحَةِ الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَيْدٌ فِي الِاتِّخَاذِ، أَيْ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ وَأَنْصَارًا فِي شَيْءٍ تُقَدَّمُ فِيهِ مَصْلَحَتُهُمْ عَلَى مَصْلَحَةِ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ كَمَا فَعَلَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) لِأَنَّ فِي هَذَا اخْتِيَارًا لَهُمْ وَتَفْضِيلًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ فِيهِ إِعَانَةٌ لِلْكُفْرِ عَلَى الْإِيمَانِ وَلَوْ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ، مِنْ شَأْنِ هَذَا أَلَّا يَصْدُرَ مِنْ مُؤْمِنٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ خَاصَّةٌ لَهُ ; لِذَلِكَ هَمَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِقَتْلِ حَاطِبٍ وَسَمَّاهُ مُنَافِقًا لَوْلَا أَنْ نَهَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَذَكَّرَهُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. أَقُولُ: وَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ لَمْ يَحْكُمْ بِكُفْرِ حَاطِبٍ فِي مُوَالَاةِ الْمُشْرِكِينَ الَّتِي هِيَ مَوْضِعُ النَّهْيِ فَكَيْفَ نُكَفِّرُ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ مِثْلَ أَمِيرِ الْأَفْغَانَ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ إِلَّا مَا أَبَاحَهُ اللهُ لَهُ. مِنْ أَكْلٍ وَلِبَاسٍ وَمُجَامَلَةٍ لِحُكُومَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ - وَهُمْ أَقْرَبُ إِلَيْنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ - وَمُجَامَلَتُهُ لَهَا لَيْسَتْ مُوَالَاةً لَهَا مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ (أَيْ: ضِدُّهُمْ كَمَا يَقُولُ أَهْلُ الْعَصْرِ) وَإِنَّمَا هِيَ مُوَالَاةٌ لِمَصْلَحَتِهِمُ الَّتِي تَتَّفِقُ مَعَ مَصْلَحَتِهَا، وَهُمْ أَحْوَجُ إِلَيْهَا مِنْهَا إِلَيْهِمْ.
عَوْدٌ إِلَى كَلَامِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ: وَقَالَ - تَعَالَى - فِي آيَةٍ أُخْرَى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ [58: 22] الْآيَةَ، فَالْمُوَادَّةُ مُشَارَكَةٌ فِي الْأَعْمَالِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي شَأْنٍ مِنْ شُئُونِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَيْثُ هُمْ مُؤْمِنُونَ، وَالْكَافِرِينَ مِنْ حَيْثُ هُمْ كَافِرُونَ فَالْمَمْنُوعُ مِنْهَا مَا يَكُونُ فِيهِ خِذْلَانٌ لِدِينِكَ وَإِيذَاءٌ لِأَهْلِهِ أَوْ إِضَاعَةٌ لِمَصَالِحِهِمْ، وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ كَالتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ ضُرُوبِ الْمُعَامَلَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا تَدْخُلَ فِي ذَلِكَ النَّفْيِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَامَلَةً فِي مُحَادَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، أَيْ فِي مُعَادَاتِهِمَا وَمُقَاوَمَةِ دِينِهِمَا.
أَقُولُ: وَإِذَا رَجَعَ الْمُؤْمِنُ إِلَى سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ (60) الَّتِي فُصِّلَتْ فِيهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ
مَا لَمْ تُفَصَّلْ فِي غَيْرِهَا يَجِدُ الْآيَةَ الْأُولَى - وَقَدْ تَقَدَّمَ صَدْرُهَا فِي قِصَّةِ حَاطِبٍ - تُقَيِّدُ النَّهْيَ عَنْ مُوَالَاةِ أَعْدَاءِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِلْقَاءِ الْمَوَدَّةِ إِلَيْهِمْ بِكَوْنِهِمْ كَفَرُوا كُفْرًا حَمَلَهُمْ عَلَى إِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ وَطَنِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ بِاللهِ، فَكُلُّ شَعْبٍ حَرْبِيٍّ يُعَامِلُ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ تَحْرُمُ مُوَالَاتُهُ قَطْعًا، ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَهَى عَنْ مُوَالَاتِهِمْ بِأَنَّهُمْ إِنْ يَثْقَفُوا الْمُؤْمِنِينَ يُعَادُوهُمْ وَيُؤْذُوهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ ثُمَّ قَالَ: عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [60: 7 - 9] فَالْبَصِيرُ يَرَى أَنَّ الْقُرْآنَ يَجْعَلُ الْمَوَدَّةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ آذَوُا الرَّسُولَ وَمَنْ آمَنَ بِهِ أَشَدَّ الْإِيذَاءِ وَأَخْرَجُوهُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 229
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست