responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 230
مِنْ دِيَارِهِمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مَرْجُوَّةً. وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَنْهَاهُمْ عَنِ الْبِرِّ وَالْقِسْطِ إِلَى مَنْ لَيْسُوا كَذَلِكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا، وَأَبْعَدُ عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِحَصْرِ النَّهْيِ فِي الَّذِينَ قَاتَلُوهُمْ فِي الدِّينِ ; أَيْ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَسَاعَدُوا عَلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنْهَا، وَلَكِنَّهُ خَصَّ هَذَا النَّهْيَ بِتَوَلِّيهِمْ وَنَصْرِهِمْ لَا بِمُجَامَلَتِهِمْ وَحُسْنِ مُعَامَلَتِهِمْ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ وَالْعَدْلِ، وَهَذَا مُنْتَهَى الْحِلْمِ وَالسَّمَاحِ بَلِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ.
وَلَا تَنْسَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ فِي عُنْفُوَانِ طُغْيَانِهِمْ وَاعْتِدَائِهِمْ، وَقَدْ عَمِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمَ الْفَتْحِ بِهَذِهِ الْوَصَايَا فَعَفَا عَنْ قُدْرَةٍ، وَحَلُمَ عَنْ عِزَّةٍ وَسُلْطَةٍ. وَقَالَ: أَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ وَأَحْسَنَ إِلَى الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَمِثْلُهُ أَهْلٌ لِلْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَلَقَدْ كَانَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَلَكِنْ بَعُدَ مُتَحَمِّسُو الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ عَنْ سُنَّتِهِ وَعَنْ كِتَابِ اللهِ الَّذِي تَأَدَّبَ هُوَ بِهِ. اللهُمَّ اهْدِ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِهِدَايَةِ كِتَابِكَ لِيَكُونُوا بِحُسْنِ عَمَلِهِمْ حُجَّةً لَهُ بَعْدَ مَا صَارَ أَكْثَرُهُمْ بِسُوءِ الْعَمَلِ حُجَّةً عَلَيْهِ.
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَيَتَّخِذِ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ وَأَنْصَارًا مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يُخَالِفُ مَصْلَحَتَهُمْ مِنْ حَيْثُ هُمْ مُؤْمِنُونَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ أَيْ فَلَيْسَ
مِنْ وِلَايَةِ اللهِ فِي شَيْءٍ قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَوِلَايَةُ اللهِ مِنَ الْعَبْدِ طَاعَتُهُ وَنَصْرُ دِينِهِ، وَمِنَ اللهِ مَثُوبَتُهُ وَرِضْوَانُهُ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: مَعْنَى الْعِبَارَةِ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ غَايَةُ الْبُعْدِ ; أَيْ تَنْقَطِعُ صِلَةُ الْإِيمَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ - تَعَالَى - ; أَيْ فَيَكُونَ مِنَ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [5: 51] أَوْ مَعْنَاهُ فَيَكُونُ عَدُوًّا لِلَّهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأُسْتَاذُ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ ; أَيْ إِنَّ تَرْكَ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتْمٌ فِي كُلِّ حَالٍ إِلَّا فِي حَالِ الْخَوْفِ مِنْ شَيْءٍ تَتَّقُونَهُ مِنْهُ، فَلَكُمْ حِينَئِذٍ أَنْ تُوَالُوهُمْ بِقَدْرِ مَا يُتَّقَى بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ ; لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ، وَهَذِهِ الْمُوَالَاةُ تَكُونُ صُورِيَّةً ; لِأَنَّهَا لِلْمُؤْمِنِينَ لَا عَلَيْهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تُوَالُوهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ لَكُمْ أَنْ تَتَّقُوا ضَرَرَهُمْ بِمُوَالَاتِهِمْ، وَإِذَا جَازَتْ مُوَالَاتُهُمْ لِاتِّقَاءِ الضَّرَرِ فَجَوَازُهَا لِأَجْلِ مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ يَكُونُ أَوْلَى ; وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِحُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُحَالِفُوا الدُّوَلَ غَيْرَ الْمُسْلِمَةِ لِأَجْلِ فَائِدَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِدَفْعِ الضُّرِّ أَوْ جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُوَالُوهُمْ فِي شَيْءٍ يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ رَعِيَّتِهِمْ، وَهَذِهِ الْمُوَالَاةُ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتِ الضَّعْفِ، بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 230
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست