responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 362
قَالَ شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي هَذَا الْمَثَلِ مَا مِثَالُهُ: وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ هَذَا مَثَلٌ; أَيْ: لَا قِصَّةٌ وَاقِعَةٌ.
أَطْلَقَ الْقُرْآنُ الْقَوْلَ فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَدَدَهُمْ وَلَا أُمَّتَهُمْ وَلَا بَلَدَهُمْ، وَلَوْ عَلِمَ لَنَا خَيْرًا فِي التَّعْيِينِ وَالتَّفْصِيلِ لَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ، فَنَأْخُذَ الْقُرْآنَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، لَا نُدْخِلَ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الرِّوَايَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، وَهِيَ صَارِفَةٌ عَنِ الْعِبْرَةِ لَا مَزِيدَ كَمَالٍ فِيهَا، وَالْمُتَبَادَرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ أُولَئِكَ الْقَوْمَ قَدْ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِسَائِقِ الْخَوْفِ مِنْ عَدُوٍّ مُهَاجِمٍ لَا مِنْ قِلَّتِهِمْ، فَقَدْ كَانُوا أُلُوفًا; أَيْ: كَثِيرِينَ، وَإِنَّمَا هُوَ الْحَذَرُ مِنَ الْمَوْتِ الَّذِي يُوَلِّدُهُ الْجُبْنُ فِي أَنْفُسِ الْجُبَنَاءِ فَيُرِيهِمْ أَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الْقِتَالِ هُوَ الْوَاقِي مِنَ الْمَوْتِ، وَمَا هُوَ إِلَّا سَبَبُ الْمَوْتِ بِمَا يُمَكِّنُ الْأَعْدَاءَ مِنْ رِقَابِ أَهْلِهِ، قَالَ أَبُو الطِّيبِ:
يَرَى الْجُبَنَاءُ أَنَّ الْجُبْنَ حَزْمٌ ... وَتِلْكَ خَدِيعَةُ الطَّبْعِ اللَّئِيمِ
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي قَوْلِ (الْجَلَالِ) إِنَّ الِاسْتِفْهَامَ بِهَا اسْتِفْهَامُ تَعْجِيبٍ وَتَشْوِيقٍ; أَيْ: إِنَّ الِاسْتِفْهَامَ الْحَقِيقِيَّ مُمْتَنِعٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى; وَلِذَلِكَ كَانَ أَكْثَرُ اسْتِفْهَامِ الْقُرْآنِ لِلْإِنْكَارِ أَوْ لِلتَّقْرِيرِ، وَلَكِنَّ الِاسْتِفْهَامَ هُنَا لِشَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ مَا يُحْدِثُ الْعَجَبَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُوجِبُ الشَّوْقَ لَهُ إِلَى مَا يَقُصُّ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى أَلَمْ يَنْتَهِ عِلْمُكَ إِلَى حَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ إِلَخْ؟ وَالرُّؤْيَةُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ بَصْرِيَّةً، وَلَمْ يَقُلْ: أَلَمْ تَعْلَمْ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الْأَمْرَ الْمَحْكِيَّ عَنْهُ قَدِ انْتَهَى فِي الْوُضُوحِ وَالتَّحَقُّقِ إِلَى مَرْتَبَةِ الْمَرْئِيِّ.
أَقُولُ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ وَاقِعَةً، بَلْ يَصِحُّ مِثْلُهُ فِي الْقِصَصِ التَّمْثِيلِيَّةِ، إِذْ يُرَادُ أَنَّ مِنْ شَأْنِ مِثْلِهَا فِي وُضُوحِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا حَتَّى كَأَنَّهُ مَرْئِيٌّ بِالْعَيْنَيْنِ.
وَمِنْهُ مَا نَبَّهَنَا عَلَيْهِ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَطْفِ بِالْفَاءِ وَبِثُمَّ، وَقَدْ قَالُوا: إِنَّ الْعَطْفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَقَاتِلُوا) لِلِاسْتِئْنَافِ; لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَبْدُوءَةَ بِالْوَاوِ هُنَا جَدِيدَةٌ لَا تُشَارِكُ مَا قَبْلَهَا فِي إِعْرَابِهِ وَلَا فِي حُكْمِهِ الَّذِي يُعْطِيهِ الْعَطْفُ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَهَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْجُمْلَةِ الْمَبْدُوءَةِ بِوَاوِ الِاسْتِئْنَافِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا تَنَاسُبٌ وَارْتِبَاطٌ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ ارْتِبَاطِ الْعَطْفِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي الْإِعْرَابِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ هُنَا; فَإِنَّ الْآيَةَ الْأُولَى مُبَيِّنَةٌ لِفَائِدَةِ الْقِتَالِ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْحَقِّ أَوِ الْحَقِيقَةِ، وَالثَّانِيَةَ آمِرَةٌ بِهِ بَعْدَ تَقْرِيرِ حِكْمَتِهِ وَبَيَانِ وَجْهِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَالِارْتِبَاطُ بَيْنَهُمَا شَدِيدُ الْأَوَاخِي، لَا يَعْتَرِيهِ التَّرَاخِي.
خَرَجُوا فَارِّينَ (فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) أَيْ: أَمَاتَهُمْ بِإِمْكَانِ الْعَدُوِّ مِنْهُمْ، فَالْأَمْرُ أَمْرُ التَّكْوِينِ لَا أَمْرُ التَّشْرِيعِ; أَيْ: قَضَتْ سُنَّتُهُ فِي خَلْقِهِ بِأَنْ يَمُوتُوا بِمَا أَتَوْهُ مِنْ سَبَبِ الْمَوْتِ، وَهُوَ تَمْكِينُ الْعَدُوِّ الْمُحَارِبِ مِنْ أَقْفَائِهِمْ بِالْفِرَارِ، فَفَتَكَ بِهِمْ وَقَتَلَ أَكْثَرَهُمْ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 362
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست