responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 343
وَالْخِطَابُ عَلَى هَذَا خَاصٌّ بِالرِّجَالِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ عَامٌّ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، أَيْ مَنْ عَفَا فَهُوَ الْمُتَّقِي، وَيُرْوَى عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتًا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَعْطَاهَا جَمِيعَ الْمَهْرِ، فَسُئِلَ عَنْ هَذَا فَقَالَ: أَمَّا التَّزَوُّجُ فَلِأَنَّهُ عَرَضَهَا عَلَيَّ فَمَا رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَأَنَا أَحَقُّ بِالْفَضْلِ. هَكَذَا قَالَ مَنْ رَوَى الْقِصَّةَ بِالْمَعْنَى، وَفِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ أَنَّ جُبَيْرًا قَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِالْعَفْوِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا لَفظُهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ، وَيُرَجِّحُهُ اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ، فَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِي عَفْوِ الرَّجُلِ عَنِ النِّصْفِ الْآخَرِ، وَفِي بَعْضِهَا تَكُونُ فِي عَفْوِ الْمَرْأَةِ عَنِ النِّصْفِ الْوَاجِبِ لَهَا; ذَلِكَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَكُونُ مِنْ قِبَلِهِ بِلَا عِلَّةٍ مِنْهَا وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَكْسِ، وَالَّذِي تَرَاهُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقْوَى هُنَا تَقْوَى اللهِ تَعَالَى الْمَطْلُوبَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَفْوَ أَكْثَرُ ثَوَابًا وَأَجْرًا.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ التَّقْوَى فِي هَذَا الْمَقَامِ اتِّقَاءُ الرِّيبَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الطَّلَاقِ مِنَ التَّبَاغُضِ وَآثَارِ التَّبَاغُضِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي السَّمَاحِ بِالْمَالِ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي تَغْيِيرِ الْحَالِ; وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) فَسَّرُوا الْفَضْلَ بِالتَّفَضُّلِ وَالْإِحْسَانِ، وَجَعَلُوهُ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْعَفْوِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْمُرَادُ بِهِ الْمَوَدَّةُ وَالصِّلَةُ، أَيْ يَنْبَغِي لِمَنْ تَزَوَّجَ مِنْ بَيْتٍ ثُمَّ طَلَّقَ أَلَّا يَنْسَى مَوَدَّةَ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ وَصِلَتَهُمْ، قَالَ: فَأَيْنَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ مِنَ التَّبَاغُضِ وَالضِّرَارِ؟ !
عَلَى هَذَا السِّيَاقِ جَرَى فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَقِفُ الذِّهْنُ فِيهِ إِلَّا مَنْ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى وُجُوهِ الْخِلَافِ فِي الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، يَقُولُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ الْوَلِيُّ: إِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْعَقْدَ شَرْعًا وَعُرْفًا، وَقَدْ يَتَوَلَّى الْعَفْوَ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالنِّيَابَةِ عَنْ مُوَلِّيَتِهِ إِذَا هِيَ طَلَّقَتْ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَا حَدِيثَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَلَا مُعَامَلَةَ، وَإِنْ تَبَرَّعَ الزَّوْجُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ مِنَ الْمَهْرِ لَا يُسَمَّى عَفْوًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى هِبَةً، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ مُقْتَضَى السِّيَاقِ أَنْ يُقَالَ - لَوْ
أُرِيدَ الزَّوْجُ -: ((إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ تَعْفُوا أَنْتُمْ)) ، وَإِنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ لَمْ تَبْقَ فِي يَدِ الزَّوْجِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَيَقُولُ الذَّاهِبُونَ إِلَى أَنَّهُ الزَّوْجُ: إِنَّ الْوَلِيَّ بِيَدِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ لَا عُقْدَتُهُ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْعَقْدِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَسْمَحَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ مُوَلِّيَتِهِ; لِأَنَّهَا هِيَ الْمَالِكَةُ الْمُتَصَرِّفَةُ مِنْ دُونِهِ، وَأَنْتَ تَرَى الْجَوَابَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَمَّا أَوْرَدَهُ الْآخَرُ سَهْلًا، وَالْخَطْبُ أَسْهَلُ، فَالْمَعْنَى الْمُرَادُ أَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ الْمَهْرِ إِلَّا أَنْ يَسْمَحَ الرَّجُلُ بِهِ كُلِّهِ، وَسَمَّى سَمَاحَهُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ عَفْوًا; لِأَنَّ الْمَعْهُودَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسُوقُونَ جَمِيعَ الْمَهْرِ عِنْدَ الْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ تَعْفُو الْمَرْأَةُ بِنَفْسِهَا أَوْ بِوَاسِطَةِ وَلِيِّهَا عَمَّا يَجِبُ لَهَا فَلَا تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ عَفَا فَعَفْوُهُ أَقْرَبُ إِلَى التَّقْوَى، وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ أَكْثَرُ كَمَا تُشْعِرُ بِهِ الْعِبَارَةُ السَّابِقَةُ، وَيُرْوَى فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ والْبَيْهَقِيِّ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 343
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست