responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 316
الزَّوْجِيَّةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (30: 21) وَمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْكُمْ مِنْ آيَاتِ الْأَحْكَامِ الْمُكَمِّلَةِ لِلْفِطْرَةِ فِي الزَّوْجِيَّةِ وَالْحِكْمَةِ فِيهَا حَالَ كَوْنِهِ يَعِظُكُمْ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا - أَيِ: الْأَحْكَامِ وَحِكْمَتِهَا - فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ مَعَ حِكْمَتِهِ هِيَ الَّتِي تُحْدِثُ الْعِظَةَ وَالْعِبْرَةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الِامْتِثَالِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَاتُ النَّفْسِيَّةُ هِيَ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا) .
وَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى النَّاسِ تِلْكَ الْمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ، وَحَجَبَهُمْ عَنِ الْمَوْعِظَةِ بِالْحِكْمَةِ، وَأَضْعَفَ فِي نُفُوسِ الْأَزْوَاجِ ذَلِكَ السُّكُونَ وَالِارْتِيَاحَ، غُرُورُ الرِّجَالِ بِالْقُوَّةِ وَطُغْيَانُهُمْ بِالْغِنَى، وَكُفْرَانُ النِّسَاءِ لِنِعْمَةِ الرِّجَالِ وَحِفْظُ سَيِّئَاتِهِمْ، وَتَمَادِيهِنَّ فِي الذَّمِّ لَهَا وَالتَّبَرُّمِ بِهَا، وَمَا مَضَتْ بِهِ عَادَاتُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعَادَاتُ التَّفَرْنُجِ فِي الْمُعَاصِرَاتِ وَالْمُعَاصِرِينَ، وَقَلَّدَ بِهِ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَّرَنَا أَوَّلًا بِنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي أَنْفُسِنَا لِنُزِيحَ عَنِ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مَا غَشِيَهَا بِسُوءِ الْقُدْوَةِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى، وَنَشْكُرَهَا لَهُ سُبْحَانَهُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا بِتَمْكِينِ صِلَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَاحْتِرَامِهَا وَتَوْثِيقِهَا، وَثَانِيًا بِهَذَا الدِّينِ الْقَوِيمِ الَّذِي هَدَانَا إِلَى ذَلِكَ، وَحَدَّ لَنَا كِتَابُهُ الْحُدُودَ وَوَضَعَ الْأَحْكَامَ مُبَيِّنًا حُكْمَهَا وَأَسْرَارَهَا، مُؤَيِّدًا لَهَا بِالْوَعْظِ السَّائِقِ إِلَى اتِّبَاعِهَا.
وَمَا ذَكَرْنَا بِالْكِتَابِ هُنَا إِلَّا لِنَجْعَلَهُ إِمَامًا لَنَا فِي تَقْوِيمِ الْفِطْرَةِ عَلَى مَا مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَعَزَّزَتْهُ الْحِكْمَةُ، وَلَكِنَّنَا قَدْ أَعْرَضْنَا عَنْهُ، فَمَنْ نَظَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِيمَا كَتَبَهُ بَعْضُ الْبَشَرِ مِمَّا هُوَ خُلُوٌّ مِنْ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ، غَيْرُ مَقْرُونٍ بِشَيْءٍ مِنَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، فَهُوَ لَا يُحْدِثُ لِلنُّفُوسِ عِظَةً وَلَا ذِكْرَى، وَلَا يَبْعَثُ فِي الْقُلُوبِ هِدَايَةً وَلَا تَقْوَى، عَلَى
أَنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَنْظُرُ فِيهَا، وَلَا يَسْأَلُ الْعَارِفِينَ بِهَا عَنْهَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الِاسْتِعَانَةِ عَلَى حُقُوقٍ يَهْضِمُهَا، أَوْ صِلَاتٍ يَقْطَعُهَا وَعُرًى يَفْصِمُهَا، فَهُوَ يَسْتَفْتِي غَالِبًا لِيَأْمَنَ مُؤَاخَذَةَ الْحُكَّامِ لَا لِيُقِيمَ حُدُودَ الْإِسْلَامِ، وَإِذَا قَامَ فِيهِمْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى اللهِ، وَيُذَكِّرُ الْمُؤْمِنِينَ بِآيَاتِ اللهِ رَمَاهُ الرُّؤَسَاءُ بِسِهَامِ الْمَلَامِ، وَأَغْرَوْا بِهِ السَّاسَةَ وَأَهَاجُوا عَلَيْهِ الْعَوَامَّ، خَائِفِينَ أَنْ يُحْيِيَ مَا أَمَاتُوهُ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، زَاعِمِينَ أَنَّهُ يُبْطِلُ مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ، عَلَى أَنَّ التَّذْكِيرَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي عِلْمَ الْمُجْتَهِدِينَ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُذَكِّرِينَ بِهِ وَمُبَيِّنِينَ، لَا صَادِّينِ عَنْهُ وَلَا نَاسِخِينَ، وَمَا كُلُّ مَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِمْ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّبْيِينِ يَلْحَقُهُمْ فِي الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّدْوِينِ. فَيَا أَيُّهَا الْعُلَمَاءُ أَحْيُوا كِتَابَ اللهِ، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَا حَيَاةَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِسِوَاهُ; وَلِذَلِكَ عَادَتْ بِتَرْكِ هَدْيِهِ إِلَى عَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهَا مِنْ إِبَاحِيَّةِ الْإِفْرِنْجِ الْعَصْرِيَّةِ، اتِّبَاعًا لِلْهَوَى وَنَزَغَاتِ الْبَهِيمِيَّةِ.
هَذَا وَإِنَّ جُمْهُورَ الْمُفَسِّرِينَ فَسَّرُوا نِعْمَةَ اللهِ هُنَا بِالدِّينِ وَالرِّسَالَةِ، وَجَعَلُوا مَا أُنْزِلَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 316
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست