responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 315
قَارَبْنَ إِتْمَامَ الْعِدَّةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا إِجْمَاعٌ لَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْآيَةِ غَيْرَهُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ تَجَوُّزًا قَرِينَتُهُ الْعُرْفُ، يَقُولُ الْمُسَافِرُ: بَلَغْنَا الْبَلَدَ أَوْ وَصَلْنَا إِلَيْهِ إِذَا دَنَا مِنْهُ وَشَارَفَهُ. وَقَوْلُهُ: (فَأَمْسِكُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) مَعْنَاهُ: فَاعْزِمُوا أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ - إِمْسَاكَ الْمَرْأَةِ بِالْمُرَاجَعَةِ أَوْ إِطْلَاقَ سَبِيلِهَا - وَلْيَكُنْ مَا تَخْتَارُونَهُ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي شَرَعَ لَكُمْ فِي آيَةِ ((الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ)) (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) أَيْ: وَلَا تُرَاجِعُوهُنَّ إِرَادَةَ مُضَارَّتِهِنَّ وَإِيذَائِهِنَّ لِلِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِنَّ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ، فَالضِّرَارُ بِمَعْنَى الضَّرَرِ، وَذُكِرَ بِالصِّيغَةِ الَّتِي تَأْتِي لِلْمُشَارَكَةِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ ضُرَّهُ إِيَّاهَا يَسْتَلْزِمُ ضُرَّهَا إِيَّاهُ، فَالرِّجَالُ يَضُرُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِإِيذَاءِ النِّسَاءِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ: (وَمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) فِي الدُّنْيَا بِسُلُوكِ طُرُقِ الشَّرِّ وَالِاعْتِدَاءِ الَّتِي لَا رَاحَةَ لِضَمِيرِ صَاحِبِهَا، وَيَجْعَلُ الْمَرْأَةَ وَعُصْبَتَهَا أَعْدَاءً لَهُ يُنَاصِبُونَهُ وَيُنَاوِئُونَهُ، وَالْعَدُوُّ الْقَرِيبُ أَقْدَرُ عَلَى الْإِيذَاءِ مِنَ الْعَدُوِّ الْبَعِيدِ. وَبِتَنْفِيرِ النَّاسِ مِنْهُ حَتَّى يُوشِكَ أَلَّا يُصَاهِرَهُ أَحَدٌ، وَظَلَمَ نَفْسَهُ فِي الْأُخْرَى أَيْضًا بِمَا خَالَفَ أَمْرَ اللهِ وَتَعَرَّضَ لِسَخَطِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا) وَهَذَا وَعِيدٌ بَعْدَ وَعِيدٍ، وَتَهْدِيدٌ لِمَنْ يَتَعَدَّى حُدُودَ اللهِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَيَّ تَهْدِيدٍ، وَالسَّبَبُ فِيهِ حَمْلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى احْتِرَامِ صِلَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَتَوَقِّي مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَدْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ النِّسَاءَ لَعِبًا، وَيَعْبَثُونَ بِطَلَاقِهِنَّ وَإِمْسَاكِهِنَّ عَبَثًا، وَفِي أَسْبَابِ النُّزُولِ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي مَسْنَدِهِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: ((كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ، ثُمَّ يَقُولُ: لَعِبْتُ، وَيَعْتِقُ ثُمَّ يَقُولُ: لَعِبْتُ)) ، فَأَنْزَلَ اللهُ (وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا) أَيْ: أَنْزَلَهُ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ آيَاتِ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ، لَا أَنَّهُ أَنْزَلَهُ عَلَى حِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي نَظِيرِهِ، وَالْمَعْنَى لَا تَتَهَاوَنُوا بِحُدُودِ اللهِ تَعَالَى الَّتِي شَرَعَهَا لَكُمْ فِي آيَاتِهِ جَرْيًا عَلَى سَنَنِ الْجَاهِلِيَّةِ; فَإِنَّ هَذَا التَّهَاوُنَ وَالِاعْتِدَاءَ لِلْحُدُودِ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ وَالتَّأْكِيدِ مِنَ اللهِ تَعَالَى يُعَدُّ اسْتِهْزَاءً بِآيَاتِهِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْمُسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي يُخَالِفُ أَمْرَ اللهِ وَيَنْقُضُ هَذِهِ الْعُهُودَ بَعْدَ تَوْثِيقِهَا طَلَبًا لِشَهْوَةٍ مِنْ شَهَوَاتِهِ، أَوِ اسْتِمْسَاكًا بِعَادَةٍ مِنْ عَادَاتِهِ، فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُعَدَّ مُسْتَهْزِئًا بِآيَاتِ اللهِ غَيْرَ مُذْعِنٍ لَهَا.
بَعْدَ التَّحْذِيرِ مِنَ التَّهَاوُنِ بِحُقُوقِ النِّسَاءِ وَجَعْلِ الْعَابِثِ بِأَحْكَامِ اللهِ فِيهَا مُسْتَهْزِئًا
بِآيَاتِهِ - وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْوَعِيدِ وَالتَّرْهِيبِ مَا فِيهِ - أَرَادَ تَعَالَى أَنْ يُقَرِّرَ هَذِهِ الْأَحْكَامَ فِي النُّفُوسِ بِبَاعِثِ التَّرْغِيبِ فِيهَا بِالتَّذْكِيرِ بِفَوَائِدِهَا وَمَزَايَاهَا، وَبَيَانِ الْمِنَّةِ فِي هِدَايَةِ الدِّينِ الَّتِي هِيَ مِنْهَا فَقَالَ: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) أَيِ: امْتَثِلُوا مَا ذَكَرَ آنِفًا مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَتَذَكَّرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ فِي الرَّابِطَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 315
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست