responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 292
مِنْ قَصْدٍ وَرَوِيَّةٍ كَقَوْلِ الْإِنْسَانِ: أَيْ وَاللهِ، لَا وَاللهِ: وَعُدَّ هَذَا مِمَّا يُؤَاخَذُ عَلَيْهِ وَيَجْرِي فِيهِ الْحُكْمُ السَّابِقُ كَانَ الْحَرَجُ عَظِيمًا، وَقَدْ رَفَعَ اللهُ هَذَا الْحَرَجَ بِقَوْلِهِ: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) فَاللَّغْوُ: أَنْ يَقَعَ الْكَلَامُ حَشْوًا غَيْرَ مَقْصُودٍ بِهِ مَعْنَاهُ، فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الَّتِي تَسْبِقُ إِلَى اللِّسَانِ عَادَةً وَلَا يُقْصَدُ بِهَا عَقْدُ الْيَمِينِ لَغْوٌ مِنَ الْقَوْلِ لَا تُعَدُّ أَيْمَانًا حَقِيقِيَّةً، فَلَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ تَعَالَى بِهَا بِفَرْضِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا وَلَا بِالْعِقَابِ (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) بِأَنْ تَقْصِدُوا جَعْلَ اسْمِهِ الْكَرِيمِ عُرْضَةً لِلِابْتِذَالِ، أَوْ مَانِعًا لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَقْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ، فَالْقَوْلُ الْحَشْوُ الَّذِي لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْقَلْبِ، وَلَا شَأْنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ، مِمَّا يَعْفُو عَنْهُ، وَلَا يُعَاقِبُ عَلَيْهِ (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) يَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا يُلِمُّ بِهِ مِمَّا لَا يُفْسِدُ أَخْلَاقَهُ وَأَعْمَالَهُ، وَلَا يَتَعَجَّلُ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى هَذَا اللَّمَمِ الَّذِي يَضْعُفُ الْعَبْدُ عَنِ التَّوَقِّي مِنْهُ; وَلِذَلِكَ لَمْ يُكَلِّفْ عِبَادَهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِيمَا لَمْ تَقْصِدْهُ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ تَتَعَمَّدْهُ نُفُوسُهُمْ; لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ سُلْطَةِ الِاخْتِيَارِ، وَقَدْ
ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لِلَغْوِ الْيَمِينِ غَيْرَ هَذَا الْمَعْنَى الْمُتَبَادَرِ وَوَضَعُوا لِذَلِكَ أَحْكَامًا ذَكَرَهَا الْمُفَسِّرُونَ وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهَا، وَمَا قُلْنَاهُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ الْمَأْثُورُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ.
بَعْدَ بَيَانِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فِي الْأَيْمَانِ الْعَامَّةِ انْتَقَلَ إِلَى حُكْمِ الْيَمِينِ الْخَاصَّةِ فَقَالَ: (لِلَّذِينِ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) إِلَخْ، فَالْإِيلَاء مِنَ الْمَرْأَةِ: أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنَّهُ لَا يَقْرَبَهَا، وَهُوَ مِمَّا يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ عِنْدَ الْمُغَاضَبَةِ وَالْغَيْظِ، وَفِيهِ امْتِهَانٌ لِلْمَرْأَةِ وَهَضْمٌ لِحَقِّهَا وَإِظْهَارٌ لِعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهَا، فَتَرْكُ الْمُقَارَبَةِ الْخَاصَّةِ الْمَعْلُومَةِ ضِرَارًا مَعْصِيَةٌ، وَالْحَلِفُ عَلَيْهِ حَلِفٌ عَلَى مَا لَا يُرْضِي اللهَ تَعَالَى بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّوَادِّ وَالتَّرَاحُمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ فِي أَنْفُسِهِمَا وَفِي عِيَالِهِمَا وَأَقَارِبِهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْإِيلَاءِ ((الْحَلِفِ)) يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْرَدْنَاهُمَا، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْلِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ هَذَا الْوَاجِبَ لَمْ يَكُنْ آثِمًا فِي نَفْسِهِ فَقَطْ، فَيُقَالُ: حَسْبُهُ مَا يَلْقَى مِنْ جَزَاءِ إِثْمِهِ، بَلْ يَكُونُ بِإِثْمِهِ هَاضِمًا لِحَقِّ امْرَأَتِهِ، وَلَا يُبِيحُ لَهُ الْعَدْلُ هَذَا الْهَضْمَ وَالظُّلْمَ، وَلِذَلِكَ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ هَذَا الْحُكْمَ، وَهُوَ التَّرَبُّصُ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي لَا يَشُقُّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْبُعْدُ فِيهَا عَنِ الرَّجُلِ، وَهِيَ كَافِيَةٌ لِتَرَوِّي الرَّجُلِ فِي أَمْرِهِ وَرُجُوعِهِ إِلَى رُشْدِهِ (فَإِنْ فَاءُوا) أَيْ: رَجَعُوا إِلَى نِسَائِهِمْ بِأَنْ حَنِثُوا فِي الْيَمِينِ وَقَارَبُوهُنَّ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ آخِرِهَا (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يَغْفِرُ لَهُمْ مَا سَلَفَ بِرَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ؛ لِأَنَّ الْفَيْئَةَ تَوْبَةٌ فِي حَقِّهِمْ (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ) أَيْ: صَمَّمُوا قَصْدَهُ وَعَزَمُوا عَلَى أَلَّا يَعُودُوا إِلَى مُلَامَسَةِ نِسَائِهِمْ (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أَيْ: فَلْيُرَاقِبُوا اللهَ تَعَالَى عَالِمَيْنِ أَنَّهُ سَمِيعٌ لِإِيلَائِهِمْ وَطَلَاقِهِمْ عَلِيمٌ بِنِيَّتِهِمْ فِيهِ، فَإِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ بِهِ إِيذَاءَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 292
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست