responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 291
تَعَالَى إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ. وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُ مِنَ الَّذِي سَبَقَهُ، وَالْعُرْضَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَتَمَدَّحُ بِقِلَّةِ الْحَلِفِ وَحِفْظِ الْأَيْمَانِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ ... وَإِنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بُرَّتِ
الْأَلَايَا: جَمْعُ أَلِيَّةٍ وَهِيَ الْيَمِينُ كَقَضِيَّةِ وَقَضَايَا، وَإِنَّكَ لَتَجِدُ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ لَا يَحْفَظُونَ مِنْ أَيْمَانِهِمْ مَا كَانَ يَحْفَظُ أَهْلُ الشِّرْكِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَيْنَ هُمْ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: مَا حَلَفْتُ بِاللهِ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا؟ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: مِنْ مَذَامِّ كَثْرَةِ الْحَلِفِ أَنَّهُ يُقَلِّلُ ثِقَةَ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ، وَثِقَةَ النَّاسِ بِهِ، فَهُوَ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فَيَحْلِفُ، وَلِهَذَا وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى بِالْمَهِينِ، وَكَثِيرًا مَا يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْخَطَأِ إِذَا حَلَفَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا قَلِيلَ الْخَشْيَةِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَهُمُّهُ إِلَّا أَنْ يَرْضَى النَّاسُ وَيَكُونُ مَوْثُوقًا بِهِ عِنْدَهُمْ، فَتَعْرِيضُ اسْمِ اللهِ تَعَالَى لِلْحَلِفِ بِدُونِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ يَنْشَأُ عَنْ فَقْدِ هَيْبَةِ اللهِ وَإِجْلَالِهِ مِنَ النَّفْسِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَتَعَلَّمُونَ كَثْرَةَ الْحَلِفِ مِنْ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمِنَ الْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَتَرَبَّوْنَ مَعَهُمْ وَهُمْ صِغَارٌ. فَيَتَعَوَّدُونَ عَدَمَ احْتِرَامِ اسْمِ اللهِ تَعَالَى.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بَعْدَ تَقْرِيرِ هَذَا الْمَعْنَى: وَقَدْ نَجِدُ هَذَا الْحَلِفَ فَاشِيًا حَتَّى فِي الْمُشْتَغِلِينَ بِعِلْمِ الدِّينِ، ذَلِكَ أَنَّ عِلْمَ الدِّينِ أَصْبَحَ صَنَاعَةً لَفْظِيَّةً لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْقُلُوبِ وَلَا فِي الْأَعْمَالِ، وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُهُمْ حَدِيثًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَيَكْذِبُ فِيهِ بِمَا يَزِيدُ فِيهِ وَيَنْقُصُ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ) عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَيَانٌ لِلْأَيْمَانِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ; أَيْ: لَا تَجْعَلُوهُ مَانِعًا لِمَا حَلَفْتُمْ عَلَى تَرْكِهِ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، بَلْ إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ عَلَى تَرْكِ الْبِرِّ أَوِ التَّقْوَى أَوِ الْإِصْلَاحِ فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحَ، فَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ ذَلِكَ، وَلَا يَرْضَى اللهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ مَانِعًا مِنْهُ، وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَهُوَ لِتَعْلِيلِ النَّهْيِ; أَيْ: لَا تَجْعَلُوهُ تَعَالَى مُعَرَّضًا لِأَيْمَانِكُمْ لِأَجْلِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ، فَإِنَّ كَثِيرَ الْحَلِفِ لَا يَكُونُ أَهْلًا لِذَلِكَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ يَكُونُ مَهِينًا، غَيْرَ مُعَظِّمٍ لِلَّهِ تَعَالَى، وَعُرْضَةً لِلْكَذِبِ وَالْحِنْثِ، وَغَيْرَ مَوْثُوقٍ بِقَوْلِهِ، فَأَنَّى يَرْضَاهُ النَّاسُ مُصْلِحًا بَيْنَهُمْ؟ وَالْمُصْلِحُ مُرَبٍّ وَمُؤَدِّبٌ وَحَاكِمٌ مُطَاعٌ بِالِاخْتِيَارِ. ثُمَّ قَالَ: (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أَيْ: سَمِيعٌ لِمَا تَلْفِظُونَ بِهِ مِنَ الْحَلِفِ وَغَيْرِهِ، عَلِيمٌ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَثْرَةِ الْحَلِفِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُرَاقِبُوهُ وَتَتَذَكَّرُوا عِنْدَ دَاعِيَةِ كُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ أَنَّهُ سَمِيعٌ لِأَقْوَالِكُمْ عَلِيمٌ بِأَفْعَالِكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَقِفُونَ عِنْدَ حُدُودِ هِدَايَتِهِ لَكُمْ فَتَكُونُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ، وَإِلَّا كُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
هَذَا الْخَتْمُ لِلْآيَةِ يَتَضَمَّنُ الْوَعِيدَ عَلَى كَثْرَةِ الْحَلِفِ، فَإِذَا دَخَلَ فِيهِ مَا يَجْرِي فِي الْكَلَامِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 291
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست