responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 290
(وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) الْعُرْضَةُ - بِالضَّمِّ كَالْغُرْفَةِ - لَهَا مَعَانٍ أَظْهَرُهَا هُنَا اثْنَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْمَانِعِ الْمُعْتَرِضِ دُونَ الشَّيْءِ; أَيْ: لَا تَجْعَلُوا اللهَ تَعَالَى مَانِعًا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَمَلٍ؛ بِأَنْ تَحْلِفُوا بِهِ عَلَى تَرْكِهِ فَتَتْرُكُوهُ تَعْظِيمًا لِاسْمِهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَهُوَ حَلِفُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى تَرْكِ الْإِنْفَاقِ عَلَى (مِسْطَحٍ) بَعْدَ أَنْ خَاضَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ، وَفِيهِ نَزَلَ: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى) (24: 22) الْآيَةَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((وَاللهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ، لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي)) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ جَرِيرٍ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ فَبِرُّهُ أَنْ يَحْنَثَ فِيهَا وَيَرْجِعَ عَنْ يَمِينِهِ)) وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ أُخْرَى، ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُسْرِعُ إِلَى لِسَانِهِ الْحَلِفُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَقَدْ يَكُونُ خَيْرًا، وَلَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَقَدْ يَكُونُ شَرًّا، وَاللهُ تَعَالَى لَا يَرْضَى بِأَنْ يَكُونَ اسْمُهُ حِجَابًا دُونَ الْخَيْرِ، أَوْ مِحْضَاءً لِلشَّرِّ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُجُوبِ تَحَرِّي الْخَيْرِ وَالْأَحْسَنِ وَإِنْ حَلِفَ عَلَى غَيْرِهِ فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ بِمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ.
وَالْمَعْنَى الثَّانِي لِلْعُرْضَةِ مَا يَعْرِضُ لِلشَّيْءِ أَنَّ مَا يُنْصَبُ لِيَعْرِضَ لَهُ الشَّيْءُ كَالْهَدَفِ لِلسِّهَامِ، يُقَالُ: فُلَانٌ عُرْضَةٌ لِلنَّاسِ إِذَا كَانُوا يَقَعُونَ فِيهِ وَيَعْرِضُونَ لَهُ بِالْمَكْرُوهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنْ تَتْرُكُوا رَهْطَ الْفَدَوْكَسِ عُصْبَةً ... يَتَامَى أَيَامَى عُرْضَةً لِلْقَبَائِلِ
وَيُقَالُ: جَعَلْتُهُ عُرْضَةً لِكَذَا; أَيْ: نَصَبْتُهُ لَهُ فَكَانَ مَعْرُوضًا وَمُعَرَّضًا لَهُ، يَكْثُرُ وُرُودُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
طَلَّقْتُهُنَّ وَمَا الطَّلَاقُ بِسُبَّةٍ ... إِنَّ النِّسَاءَ لَعُرْضَةُ التَّطْلِيقِ
وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تُكْثِرُوا الْحَلِفَ بِاللهِ تَعَالَى، فَالَّذِي يَجْعَلُ اللهَ عُرْضَةً
لِأَيْمَانِهِ هُوَ كَالْحَلَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) (68: 10) فَكَثِيرُ الْحَلِفِ حَلِيفُ الْمَهَانَةِ وَقَرِينُهَا، وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ صِفَاتٍ أُخْرَى ذَمِيمَةً نَهَى عَنْ أَهْلِهَا وَبَدَأَهَا بِالْخِلَافِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) (68: 11 - 13) فَالْحَلَّافُ يُعَدُّ فِي مُقَدِّمَةِ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارِ، وَمَنْ أَكْثَرَ الْحَلِفَ قَلَّتْ مَهَابَتُهُ وَكَثُرَ حِنْثُهُ وَاتُّهِمَ بِالْكَذِبِ، وَلَا يَكُونُ الْحَلَّافُ إِلَّا كَذَّابًا، فَهُوَ عَلَى إِهَانَتِهِ لِاسْمِ اللهِ تَعَالَى يَفُوتُهُ مَا يُرِيدُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ وَتَصْدِيقِهِ، فَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُرْشِدُنَا إِلَى تَرْكِ الْحَلِفِ بِاللهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 290
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست