responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 261
وَمِنْهَا أَنَّ جَرِيمَةَ السُّكْرِ تُغْرِي بِجَمِيعِ الْجَرَائِمِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلسَّكْرَانِ وَتُجَرِّئُ عَلَيْهَا، وَلَا سِيَّمَا الزِّنَا وَالْقَتْلُ، وَبَلَغَنِي أَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إِلَى مَوَاخِيرِ الزِّنَا لَا يَذْهَبُونَ إِلَيْهَا إِلَّا وَهُمْ سُكَارَى; لِأَنَّ غَيْرَ السَّكْرَانِ تَنْفِرُ نَفْسُهُ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ الْمُبْتَذَلَةِ مَهْمَا تَكُنْ
خَسِيسَةً; وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْخَمْرُ أُمَّ الْخَبَائِثِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، فَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَضَرَّاتِهَا فِي النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ.
وَمِنْ مَضَرَّاتِهَا الْمَالِيَّةِ أَنَّهَا تَسْتَهْلِكُ الْمَالَ وَتُفْنِي الثَّرْوَةَ كَمَا قَالَ عَنْتَرَةُ:
فَإِذَا شَرِبْتُ فَإِنَّنِي مُسْتَهْلِكٌ ... مَالِي وَعِرْضِي وَافِرٌ لَمْ يُكْلَمِ
وَلَمْ تَكُنِ الْخَمْرُ مُذْهِبَةً لِلثَّرْوَةِ فِي زَمَنٍ مِنَ الْأَزْمِنَةِ كَزَمَانِنَا هَذَا، وَلَا فِي مَكَانٍ كَهَذِهِ الْبِلَادِ; فَإِنَّ أَنْوَاعَ الْخَمْرِ كَثُرَتْ فِيهَا، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَالِي الثَّمَنِ جِدًّا، ثُمَّ إِنَّ الْمُتَّجِرِينَ بِهَا كَثِيرًا مَا يَقْرِنُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقِيَادَةِ إِلَى الزِّنَا، وَفِي مِصْرَ الْقَاهِرَةِ بُيُوتٌ لِلْفِسْقِ تَجْمَعُ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالنِّسَاءِ وَالرَّاقِصَاتِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَدْخُلُهَا الرِّجَالُ زَرَافَاتٍ وَأَفْذَاذًا، وَيَتَبَارَوْنَ ثَمَّ فِي النَّفَقَةِ حَتَّى لَيَخْسَرَ الرَّجُلُ فِي لَيْلَتِهِ الْمِئِينَ وَالْأُلُوفَ. وَإِنَّ الْخَمَّارَ الرُّومِيَّ الْفَقِيرَ لَيَفْتَحُ فِي إِحْدَى الْقُرَى وَالْمَزَارِعِ مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ حَانَةً صَغِيرَةً فَلَا تَزَالُ تَتَّسِعُ بِمَا تَبْتَلَعُ مِنْ ثَرْوَةِ الْأَهَالِي وَغَلَّاتِ أَرْضِهِمْ حَتَّى تَبْتَلِعَ الْقَرْيَةَ كُلَّهَا، فَتَكُونُ أَمْوَالُهَا وَغَلَّاتُهَا وَقُطْنُهَا وَتِجَارَتُهَا فِي يَدِ (الْخَوَاجَةِ) صَاحِبِ الْحَانَةِ.
وَقَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ بِالْخَمْرِ هَذَا الْقُطْرَ بِمَا لِأَهْلِهِ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلتَّقْلِيدِ حَتَّى قِيلَ: إِنَّ مَا يُصْرَفُ فِي مِصْرَ عَلَى الْخَمْرِ يَعْدِلُ مَا يُصْرَفُ فِي فَرَنْسَا كُلِّهَا.
وَمِنْ مَضَرَّاتِ الْخَمْرِ فِي الدِّينِ مِنْ حَيْثُ رُوحِهِ وَوِجْهَةِ الْعَبْدِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنَّ السَّكْرَانَ لَا تَتَأَتَّى مِنْهُ عِبَادَةٌ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَلَا سِيَّمَا الصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا: (وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ) وَسَيَأْتِي إِيضَاحُ هَذَا الْمَعْنَى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
فَهَذَا شَيْءٌ مِنَ الْبَيَانِ لِكَوْنِ إِثْمِ الْخَمْرِ كَبِيرًا بِمَعْنَى أَنَّ كِبَرَهُ بِكِبَرِ ضَرَرِهِ، أَوْ كَوْنِهِ كَثِيرًا لِكَثْرَةِ أَنْوَاعِهِ، وَقَدْ يَشْتَبِهُ بَعْضُ الْمُبْتَلَيْنَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَضَرَّاتِ الصِّحِّيَّةِ، أَوْ يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ يَسْهُلُ عَلَيْهِمُ التَّوَقِّي مِنْهَا، وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا يَتَوَهَّمُونَ; فَإِنَّ الْمِزَاجَ الَّذِي يَتَحَمَّلُ سُمَّ الْخَمْرِ - الَّذِي يُسَمَّى الْكُحُولَّ أَوِ الْغُولَ - زَمَنًا طَوِيلًا بِحَيْثُ يَغْتَرُّ النَّاسُ بِحُسْنِ صِحَّةِ صَاحِبِهِ قَلِيلٌ فِي النَّاسِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَلَيْنَ يَقِيسُونَ عَلَى النَّادِرِ وَيَجْهَلُونَ الْأَصْلَ الْغَالِبَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مُدْمِنُ السُّكْرِ مِنْ ضَرَرِهِ فِي جِسْمِهِ أَوْ عَقْلِهِ وَمَدَارِكِهِ أَوْ وَلَدِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، بَلْ تَجْتَمِعُ كُلُّهَا فِي الْغَالِبِ. وَأَمَّا الْمَضَرَّاتُ الْمَعْنَوِيَّةُ فَيَقِلُّ فِي مُعْتَادِي السُّكْرِ مَنْ يَحْفِلُ بِهَا، عَلَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَسْهُلُ عَلَيْهِ تَجَنُّبُهَا.
وَأَمَّا كَوْنُ إِثْمِ الْمَيْسِرِ كَبِيرًا أَوْ كَثِيرًا فَقَدْ جَاءَ فِيهِ مَا جَاءَ فِي الْخَمْرِ مِنْ كَوْنِهِ يُورِثُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ، وَيَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي مَيْسِرِ الْعَرَبِ، وَفِي

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 261
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست